للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الواردة؛ لأنه -كما قلنا- استعارة تمثيلية، والاستعارة يجب أن تكون لفظ المشبه به المستعمل في المشبه كما في مثال "المتردد"؛ فقد ورد في شخص معين، ثم شاع استعماله حتى صار مثلا يضرب لكل متحير في أمره، متردد فيه، مفردا كان، أو مثنى، أو جمعا، مذكرا، أو مؤنثا، فيقال لكل واحد مما ذكر: أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى، فينطلق به كما ورد.

ومثل المثل المذكور قولهم: "الصيف ضيعت اللبن" بكسر تاء الفاعل, فقد ورد في امرأة، ثم فشا استعماله أيضا، وذاع حتى صار مثلا يضرب لمن طلب شيئا بعد التفريط فيه, وتضييعه، وفوات فرصته. وأصل هذا المثل: أن امرأة شابة١ كانت تحت شيخ٢ طاعن في السن، ذي ثروة، فزهدت فيه، وكرهت معاشرته لضعفه، وكبره, ورجته أن يتركها، فلبى طلبها، وكان ذلك صيفا، ثم تزوجت بعده بشاب فقير٣ ثم احتاجت إلى اللبن زمن الشتاء، فجاءت إلى زوجها الأول تطلب منه لبنا، فلم يجبها إلى طلبها، وقال لها القول المذكور، فجرى مجرى الأمثال.

وإجراء الاستعارة فيه أن يقال: شبهت هيئة من فرط في شيء وقت إمكان تحصيله، ثم طلبه في وقت يتعذر الحصول عليه فيه بهيئة امرأة تركت زوجها ذا اللبن الوفير، ثم أتت إليه بعد فراقها تطلب اللبن منه, والجامع الهيئة الحاصلة من التفريط في الشيء وقت إمكانه، وطلبه وقت تعذره، ثم استعير المركب الموضوع للمشبه به للمشبه على سبيل الاستعارة التمثيلية، والقرينة حالية؛ إذ إن حالة المقول فيه المثل على غير ما يدل عليه التركيب وضعا. ومثله قول الشاعر:


١ تدعى دسوس بنت لقيط بن زرارة.
٢ قيل: اسمه عمرو بن عويس.
٣ قيل: اسمه عمرو بن معبد بن زرارة.

<<  <  ج: ص:  >  >>