للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلما رأى ذلك بحيرى نزل من صومعته، وقد أمر بالطعام فصنع، ثم أرسل إليهم فقال: إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش، وأحب أن تحضروا كلكم، صغيركم وكبيركم، وعبدكم وحركم.

فقال له رجل منهم: والله يا بحيرى إن لك لشأنا اليوم! ما كنت تصنع هذا بنا، وقد كنا نمر بك كثيرا، فما شأنك اليوم؟!

قال له بحيرى: صدقت، قد كان ما تقول، ولكنكم ضيف، وقد أحببت أن أكرمكم، وأصنع لكم طعاما، فتأكلوا منه كلكم.

فاجتمعوا إليه وتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين القوم؛ لحداثة سنه، فبقي في رحال القوم تحت الشجرة، فلما نظر بحيرى في القوم لم يرَ الصفة التي يعرف، ويجدها عنده.

فقال: يا معشر قريش! لا يتخلفن أحد منكم عن طعامي.

قالوا له: يا بحيرى، ما تخلف عنك أحد ينبغي له أن يأتيك إلا غلام، وهو أحدث القوم سنا، فتخلف في الرحال.

فقال: لا تفعلوا، ادعوه، فليحضر هذا الطعام معكم.

فقال رجل من قريش مع القوم: واللات والعزى، إن كان للؤم بنا أن يتخلف ابن عبد الله بن عبد المطلب عن طعام من بيننا، ثم قام إليه فاحتضنه، وأحضره، وأجلسه مع القوم.

فلما رآه بحيرى، جعل يلحظه لحظا شديدا، وينظر إلى أشياء من جسده، وقد كان يجدها عنده من صفته، حتى إذا فرغ القوم من طعامهم وتفرقوا، قام إليه بحيرى، فقال: يا غلام، أسألك بحق اللات والعزى إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه، وإنما قال له بحيرى ذلك وحلف باللات والعزى؛ لأنه سمع قومه يحلفون بهما.

فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسألني باللات والعزى شيئا، فوالله ما أبغضت شيئا قط بغضهما".

فقال له بحيرى: فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه.

<<  <   >  >>