للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحكامه الدينية والكونية، فهو يرجع إلى الصبر على أوامره والصبر على ابتلائه، فليس فى الحقيقة قسماً ثالثاً، والله أعلم.

فقد تبين أن الصبر بجميع أقسامه أصل مقامات الإيمان، وهو أصل لكمال العبد الذى لا كمال له بدونه، ولا يذم منه إلا قسم واحد وهو الصبر عن الله [سبحانه] فإنه صبر المعرضين المحجوبين، فالصبر عن المحبوب أقبح شيء وأسوؤُه، وهو الذى يسقط المحب من عين محبوبه، فإن المحب كلما كان أَكمل محبة كان صبره عن محبوبه متعذراً.

الوجه العاشر: قوله: "الثالث الاصطبار، وهو التلذذ بالبلوى والاستبشار باختيار المولى. وهذا هو الصبر على الله وهو صبر العارفين". فيقال: الاصطبار افتعال من الصبر كالاكتساب والاتخاذ، وهو مشعر بزيادة المعنى على الصبر، كأَنه صار سجية وملكة: فإن هذا البناء مؤذن بالاتخاذ والاكتساب، قال تعالى: {فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِر} [القمر: ٢٧] ، فالاصطبار أبلغ من الصبر كما أن الاكتساب أبلغ من الكسب، ولهذا كان فى العمل الذى يكون على صاحبه، والكسب فيما له، قال تعالى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: ٢٨٦] تنبيهاً على أن الثواب يحصل لها بأَدنى سعى وكسب، وأن العقاب إنما هو باكتسابها وتصرفها وما تعانيه.

وإذا علم هذا فالتلذذ بالبلوى والاستبشار باختيار الله سبحانه لا يخص الاصطبار، بل يكون مع الصبر ومع [التصبر] . ولكن لما كان الاصطبار أبلغ من الصبر وأقوى كان بهذا التلذذ والاستبشار أولى. والله أعلم

قاعدة: الصبر عن المعصية ينشأُ من أسباب عديدة:

أحدها: علم العبد بقبحها ورذالتها ودناءَتها، وأن الله إنما حرَّمها ونهى عنها صيانة وحماية عن الدنايا والرذائل، كما يحمى الوالد الشفيق [والده] عما يضره. وهذا السبب يحمل العاقل على تركها ولو لم يعلق عليها وعيد بالعذاب.

السبب الثانى: الحياءُ من الله سبحانه، فإن العبد متى علم بنظره إليه ومقامه عليه وأنه بمرأَى منه ومسمع- وكان [حياً] حييّاً- استحى من ربه أن يتعرض لمساخطه.

السبب الثالث: مراعاة نعمه عليك وإحسانه إليك، فإن الذنوب تزيل النعم ولا بد،

<<  <   >  >>