للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمّا قوله في وصفه:

مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ معاً ... كَجُلْمُودِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَلِ

فمن غير الممكن أن يكون في كرِّهِ إلَى الجهة الّتِي يُقْبلُ عَلَيْها فارّاً عنها، فهي مبالغةٌ من القسم الثالث "الغلوّ" لكنَّها مع ذلك مبالغةٌ مقبولة، لأنّ امْرأ القيس يُصوِّر مَشاعِرَهُ، ويُعَبِّر عمّا يَتَمَثَّلُ في خيَالِ الْمُشَاهِدِ حينَ يرى سُرْعَتَهُ الفائقة الّتِي يختَلِطُ فيها الكرّ والفرّ، حتى كأنّه يَكِرُّ ويَفِرُّ معاً، وهذا ما يُسَمَّى عند الأدباء المعاصرين "الصِّدْقَ الْفَنِّي".

المثال الثاني: قول "المتنبّي" يصف فرسه:

وَأَصْرَعُ أَيَّ الْوَحْشِ قَفَّيْتُهُ بِه ... وَأَنْزِلُ عَنْهُ مِثْلَهُ حِينَ أَرْكَبُ

يقول: إذا طَرَدْتُ بفرسِي وَحْشاً أَيَّ وَحْشٍ بَلَغَهُ فتمكَّنْتُ منه، فصَرَعْتُه، وأَنْزِلُ عنه بعد ذلك، فأَجدُه مثْلَهُ حينَ أَرْكَبُه، أي: لم يَلْحَقْهُ التّعَبُ وَلَمْ يَكِلَّ، لقُوَّتِهِ وعِزَّةِ نفسه.

قال العكبري: كقول ابن المعتزّ:

تَخَالَ آخِرَهُ في الشَّدِّ أوَّلَه ... وَفِيهِ عَدْوٌ وَرَاءَ السَّبْقِ مَذْخُورُ

أقول: المبالغة في هذين البيتين من قسم "التبليغ".

المثال الثالث: قول "الحماسي":

رَهَنْتُ يَدِي بالْعَجْزِ عَنْ شُكْرِ برِّه ... وَمَا فَوْقَ شُكْرِي للشكُور مَزِيدُ

وَلَوْ كَانَ مِمَّا يُسْتَطَاعُ اسْتَطَعْتُهُ ... ولَكِنَّ مَالاً يُسْتَطَاعُ شَدِيدُ

بالَغَ فادّعَى أنَّه قَدَّمَ غَايَةَ ما يَسْتَطِيعُ مِنْ شُكْر، وإِنْ كان ما قدّمَهُ لا يُسَاوِي مَا نَالَ من ممدوحه من برّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>