للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَاجِدًا لَا تَجْلِسُ، ثُمَّ تَسْجُدُ وَتُكَبِّرُ فِي انْحِطَاطِكَ لِلسُّجُودِ فَتُمَكِّنُ جَبْهَتَكَ وَأَنْفَكَ مِنْ الْأَرْضِ وَتُبَاشِرُ بِكَفَّيْكَ الْأَرْضَ

ــ

[الفواكه الدواني]

بِمَنْزِلَةِ الدُّعَاءِ، وَرَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ بِمَنْزِلَةِ التَّأْمِينِ، وَفِي جَمْعِ الْمُصَنِّفِ بَيْنَ اللَّهُمَّ وَالْوَاوِ فِي رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ اتِّبَاعٌ لِمَا اخْتَارَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ مَعَهُمَا أَرْبَعُ جُمَلٍ، وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ بِزِيَادَةِ الْوَاوِ فَقَطْ، وَرَابِعَةٌ بِنَقْصِ اللَّهُمَّ وَالْوَاوِ بِأَنْ يَقُولَ: رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، وَالْكَلَامُ عَلَيْهَا جُمْلَتَانِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ مَا فِي الْمُوَطَّإِ وَالصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا قَالَ الْإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» وَمَعْنَى مُوَافَقَةِ الْمَلَائِكَةِ فِي النِّيَّةِ وَالْإِخْلَاصِ فَيُسْتَفَادُ مِنْ الْحَدِيثِ أَنَّ الْإِمَامَ يَقْتَصِرُ عَلَى سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَالْمَأْمُومُ إنَّمَا يَقُولُ: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، وَأَمَّا الْفَذُّ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَالْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ التَّسْمِيعِ وَالتَّحْمِيدِ «أَنَّ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ تَفُتْهُ صَلَاةٌ خَلْفَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَجَاءَ يَوْمًا وَقْتَ الْعَصْرِ فَظَنَّ أَنَّهَا فَاتَتْهُ مَعَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَاغْتَمَّ لِذَلِكَ وَهَرْوَلَ وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَوَجَدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُكَبِّرًا فِي الرُّكُوعِ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَكَبَّرَ خَلْفَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَ جِبْرِيلُ وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الرُّكُوعِ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُلْ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقَالَهَا عِنْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ يَرْكَعُ بِالتَّكْبِيرِ، وَيَرْفَعُ بِهِ» فَصَارَتْ سُنَّةً مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ بِبَرَكَةِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْهَرْوَلَةِ الْإِسْرَاعُ مِنْ غَيْرِ خَبَبٍ كَمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى السَّكِينَةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى إدْرَاكِ الْجَمَاعَةِ:.

(تَنْبِيهٌ) : عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ وَسَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ مِنْ السُّنَنِ، وَلَكِنْ اُخْتُلِفَ هَلْ جَمِيعُ التَّسْمِيعِ سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ كُلُّ مَرَّةٍ سُنَّةٌ؟ الْخِلَافُ فِي التَّكْبِيرِ يَأْتِي هُنَا وَمَا يَتَفَرَّعُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مِنْ بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِتَرْكِ السُّجُودِ لِلسَّهْوِ جَمِيعِهِ أَوْ ثَلَاثٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ سُنَّةٌ وَعَدَمُ الْبُطْلَانُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ جَمِيعَهُ سُنَّةٌ.

(وَ) يَجِبُ عَلَيْك بَعْدَ رَفْعِ رَأْسِك مِنْ الرُّكُوعِ أَنْ (تَسْتَوِيَ) أَيْ تَعْتَدِلَ حَالَةَ كَوْنِك (قَائِمًا مُطْمَئِنًّا) قَالَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ: وَطُمَأْنِينَةٌ وَاعْتِدَالٌ عَلَى الْأَصَحِّ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لِلْمُسِيءِ صَلَاتَهُ «ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا» وَالْفَرْقُ بَيْنَ الطُّمَأْنِينَةِ وَالِاعْتِدَالِ أَنَّ الِاعْتِدَالَ نَصْبُ الْقَامَةِ وَالطُّمَأْنِينَةَ اسْتِقْرَارُ الْأَعْضَاءِ زَمَنًا مَا، وَيُطْلَبُ مِنْك زِيَادَةٌ عَلَى الطُّمَأْنِينَةِ وَالِاعْتِدَالِ أَنْ تَكُونَ (مُتَرَسِّلًا) أَيْ مُتَمَهِّلًا زِيَادَةً عَلَى الطُّمَأْنِينَةِ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَيْهَا سُنَّةٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُتَرَسِّلًا تَفْسِيرًا لِمُطْمَئِنًّا

(ثُمَّ) بَعْدَ اعْتِدَالِك فِي رَفْعِك (تَهْوِي) بِفَتْحِ التَّاءِ أَيْ تَنْزِلُ إلَى الْأَرْضِ (سَاجِدًا لَا تَجْلِسُ) فِي هَوِيِّك (ثُمَّ تَسْجُدُ) فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ خِلَافًا لِبَعْضِ الْأَئِمَّةِ حَيْثُ جَعَلَهُ سُنَّةً مُسْتَدِلًّا بِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَنَا مَا قَالَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «أَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا كَبِرَ سَنَةً وَثَقُلَتْ أَعْضَاؤُهُ» ، ثُمَّ إنْ خَالَفَ الْمَطْلُوبَ وَجَلَسَ ثُمَّ سَجَدَ فَإِنْ فَعَلَهُ عَمْدًا فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ وَلَا بُطْلَانَ إنْ لَمْ يَفْحُشْ، وَأَمَّا إنْ كَانَ سَهْوًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُطَوِّلَ فَيَسْجُدَ لَهُ بَعْدَ السَّلَامِ.

(وَ) يُسَنُّ أَنْ (تُكَبِّرَ فِي انْحِطَاطِك لِلسُّجُودِ) لِتَعُمَّ الرُّكْنَ بِالتَّكْبِيرِ وَتُقَدِّمَ يَدَيْك عَلَى رُكْبَتَيْك فِي هَوِيِّكَ لِلسُّجُودِ وَتُؤَخِّرَهُمَا عَنْ الرُّكْبَتَيْنِ عِنْدَ الْقِيَامِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَتَقْدِيمُ يَدَيْهِ فِي سُجُودِهِ وَتَأْخِيرُهُمَا عِنْدَ الْقِيَامِ لِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ، وَمَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ: مِنْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا سَجَدَ يَضَعُ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ، وَإِذَا نَهَضَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ» فَمُتَكَلَّمٌ فِيهِ بِالنَّسْخِ أَوْ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ بَعْضُ الرُّوَاةِ، وَإِذَا أَرَدْت مَعْرِفَةَ حَقِيقَةِ السُّجُودِ (فَتُمَكِّنُ جَبْهَتَك) وَهِيَ مُسْتَدِيرُ مَا بَيْنَ الْحَاجِبَيْنِ إلَى النَّاصِيَةِ، وَالْفَرْضُ يَحْصُلُ بِمَسِّ الْأَرْضِ بِأَدْنَى جُزْءٍ مِنْهَا.

(وَ) تُمَكِّنُ أَيْضًا (أَنْفَك مِنْ الْأَرْضِ) أَوْ مَا اتَّصَلَ بِهَا وَهَذَا بَيَانٌ لِصِفَةِ السُّجُودِ الْكَامِلَةِ، وَأَمَّا أَصْلُ الْفَرْضِ فَيَحْصُلُ بِمَسِّ الْأَرْضِ بِالْجَبْهَةِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ تَمْكِينٍ، وَلِذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي تَعْرِيفِهِ: وَالسُّجُودُ شَرْعًا أَقَلُّهُ الْوَاجِبُ لُصُوقُ الْأَرْضِ أَوْ مَا اتَّصَلَ بِهَا مِنْ سَطْحِ غُرْفَةٍ أَوْ سَرِيرِ خَشَبٍ أَوْ شَرِيطٍ لِلْمَرِيضِ الْعَاجِزِ عَنْ النُّزُولِ إلَى الْأَرْضِ كَائِنًا ذَلِكَ، وَاللُّصُوقُ عَلَى أَدْنَى جُزْءٍ مِنْ جَبْهَتِهِ وَهِيَ مُسْتَدِيرُ مَا بَيْنَ الْحَاجِبَيْنِ إلَى النَّاصِيَةِ، فَالْفَرْضُ يَحْصُلُ بِمَسِّ الْأَرْضِ بِأَدْنَى جُزْءٍ مِنْ جَبْهَتِهِ وَإِلْصَاقِ جَمِيعِهَا بِحَيْثُ تَسْتَقِرُّ مُنْبَسِطَةً مُسْتَحَبٌّ فَقَطْ، كَمَا يُسْتَحَبُّ السُّجُودُ عَلَى الْأَنْفِ، وَقِيلَ: يَجِبُ لَا عَلَى جِهَةِ الشَّرْطِيَّةِ فَيُعِيدُ الصَّلَاةَ لِتَرْكِهِ فِي الْوَقْتِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ: وَسُجُودٌ عَلَى جَبْهَتِهِ وَأَعَادَ لِتَرْكِ أَنْفِهِ بِوَقْتٍ، وَبِمَا قَرَّرْنَا تَعْلَمُ أَنَّ مَا اتَّصَلَ بِالْأَرْضِ كَالْأَرْضِ، وَأَنَّ الْفَرْضَ السُّجُودُ بِالْجَبْهَةِ لَا بِالْأَنْفِ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُهُ، وَأَمَّا السُّجُودُ عَلَى نَحْوِ الْقُطْنِ وَالصُّوفِ وَالْحَشِيشِ الَّذِي لَا يَسْتَقِرُّ تَحْتَ جَبْهَةِ السَّاجِدِ فَلَا يَصِحُّ كَالسُّجُودِ عَلَى الْعِمَامَةِ إلَّا مَا كَانَ قَدْرَ الطَّاقَةِ وَالطَّاقَتَيْنِ اللَّطِيفَتَيْنِ، وَأَمَّا السُّجُودُ عَلَى السَّرِيرِ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْخَشَبِ فَهُوَ كَسَقْفِ الْبَيْتِ يَصِحُّ السُّجُودُ عَلَيْهِ لِتَنَزُّلِهِ مَنْزِلَةَ الْأَرْضِ وَلَوْ لِلصَّحِيحِ، بِخِلَافِ مَا كَانَ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>