للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَوْ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا كَقِرَاءَةِ مُصَلٍّ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا، وَقِرَاءَةِ جُنُبٍ، وَسَكْرَانَ.، وَالْأَصْلُ فِيمَا ذُكِرَ مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَيَقْرَأُ السُّورَةَ فِيهَا سَجْدَةٌ فَيَسْجُدُ، وَنَسْجُدُ مَعَهُ حَتَّى مَا يَجِدُ بَعْضُنَا مَوْضِعًا لِمَكَانِ جَبْهَتِهِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ مُسْلِمٍ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ (وَتَتَأَكَّدُ) السَّجْدَةُ (لَهُ) أَيْ: لِلسَّامِعِ (بِسُجُودِ الْقَارِئِ) لَكِنَّ تَأَكُّدَهَا لِغَيْرِ الْقَاصِدِ لَيْسَ كَتَأَكُّدِهَا لِلْقَاصِدِ، وَذِكْرُ تَأَكُّدِهَا لِغَيْرِ الْقَاصِدِ مَعَ التَّقْيِيدِ بِمَشْرُوعِيَّةِ الْقِرَاءَةِ مِنْ زِيَادَتِي، وَإِذَا سَجَدَ السَّامِعُ مَعَ الْقَارِئِ فَلَا يَرْتَبِطُ بِهِ، وَلَا يَنْوِي الِاقْتِدَاءَ بِهِ.

. (وَهِيَ) أَيْ: سَجَدَاتُ التِّلَاوَةِ (أَرْبَعَ عَشْرَةَ) سَجْدَتَا الْحَجِّ، وَثَلَاثٌ فِي الْمُفَصَّلِ فِي النَّجْمِ، وَالِانْشِقَاقِ، وَاقْرَأْ، وَالْبَقِيَّةُ فِي الْأَعْرَافِ، وَالرَّعْدِ، وَالنَّحْلِ، وَالْإِسْرَاءِ، وَمَرْيَمَ، وَالْفُرْقَانِ، وَالنَّمْلِ، وَآلَم تَنْزِيلُ، وَحُمَّ السَّجْدَةِ، وَمَحَالُّهَا مَعْرُوفَةٌ، وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمْسَ عَشْرَةَ سَجْدَةً فِي الْقُرْآنِ» مِنْهَا ثَلَاثٌ فِي الْمُفَصَّلِ، وَفِي الْحَجِّ سَجْدَتَانِ، وَالسَّجْدَةُ الْبَاقِيَةُ مِنْهُ سَجْدَةُ ص الْمَذْكُورَةُ بِقَوْلِي

ــ

[حاشية البجيرمي]

(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ) وَلَوْ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ فِي الرُّبَاعِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ لِعَدَمِ النَّهْيِ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَطْلُوبَةً وَفَرَّقَ بَيْنَ عَدَمِ الطَّلَبِ وَطَلَبِ الْعَدَمِ ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ: كَقِرَاءَةِ مُصَلٍّ إلَخْ) مَثَّلَ بِثَلَاثَةِ أَمْثِلَةٍ؛ لِأَنَّ الْأُولَى مَكْرُوهَةٌ، وَالثَّانِيَةُ مُحَرَّمَةٌ وَالثَّالِثَةُ لَا، وَلَا فَلَا إذْنَ، وَلَا مَنْعَ فِيهَا وَيَصْدُقُ عَلَى الثَّلَاثَةِ أَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ فِيهَا شَرْعًا. (قَوْلُهُ: وَقِرَاءَةُ جُنُبٍ) أَيْ: مُسْلِمٍ لِيَخْرُجَ الْكَافِرُ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ لِقِرَاءَتِهِ وَلَوْ جُنُبًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ حُرْمَةَ الْقِرَاءَةِ مَعَ مَا ذُكِرَ ع ش أَيْ فَكَأَنَّهَا غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهَا وَقَوْلُهُ: أَيْ مُسْلِمٌ أَيْ بَالِغٌ لِيَخْرُجَ الصَّبِيُّ الْجُنُبُ وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ قَوْلُهُ: وَقِرَاءَةُ جُنُبٍ أَيْ إنْ كَانَ مُسْلِمًا بَالِغًا وَانْظُرْ لَوْ قَصَدَ بِالْقِرَاءَةِ الذِّكْرَ، أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا، أَوْ قَصَدَ مُجَرَّدَ التَّفْهِيمِ هَلْ يُسَنُّ طَلَبُ السُّجُودِ مِنْهُ وَمِنْ سَامِعِهِ؟ . اهـ. حَجّ وَيُكْرَهُ الْأَذَانُ مِنْ الْجُنُبِ وَتُسَنُّ إجَابَتُهُ وَتَحْرُمُ الْقِرَاءَةُ مِنْهُ وَلَا يُسَنُّ السُّجُودُ لِسَامِعِهَا، فَلْيُفَرَّقْ. اهـ وَالْفَرْقُ حُرْمَةُ الْقِرَاءَةِ مِنْ الْجُنُبِ دُونَ أَذَانِهِ، فَلَوْ طَلَبَ السُّجُودَ لِقِرَاءَتِهِ لَكَانَ الْجُنُبُ مَأْمُورًا بِالْقِرَاءَةِ لِأَجْلِ زِيَادَةِ الْعِبَادَةِ وَهِيَ طَلَبُ السُّجُودِ مِنْ سَامِعِهِ فَأَذَانُهُ مَشْرُوعٌ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ فِيهِ بِخِلَافِ قِرَاءَتِهِ. (قَوْلُهُ: وَسَكْرَانَ) ظَاهِرُهُ كَ م ر وَإِنْ لَمْ يَتَعَدَّ وَبِهِ صَرَّحَ حَجّ ع ش.

(قَوْلُهُ: حَتَّى مَا يَجِدَ) هُوَ بِالنَّصْبِ؛ لِأَنَّ مَا نَافِيَةٌ وَفِي حَجّ عَلَى الْأَرْبَعِينَ أَنَّهُ بِالرَّفْعِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَبِهَامِشِهِ وَنَظَرَ فِيهِ بَعْضُهُمْ لِأَنَّ " مَا " لَا تَمْنَعُ مِنْ نَصْبِ الْفِعْلِ الْوَاقِعِ بَعْدَ حَتَّى. اهـ. ع ش؛ لِأَنَّهَا نَافِيَةٌ لَا كَافَّةٌ.

(قَوْلُهُ: لِمَكَانِ جَبْهَتِهِ) اُنْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِالْمَكَانِ هُنَا فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْمَوْضِعَ فَمَا مَعْنَى جَمْعِهِ مَعَ مَا قَبْلَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: مَوْضِعًا وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ، فَمَا هُوَ حَرَّرَ شَوْبَرِيٌّ قَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ بِمَكَانِ الْجَبْهَةِ تَمْكِينُهَا، اهـ. ح ف أَوْ الْمَكَانُ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ لِكَانَ، بِمَعْنَى الْوَضْعِ وَأَصْلُهُ مَكْوَنٌ نُقِلَتْ حَرَكَةُ الْوَاوِ لِلْكَافِ، وَفِي رِوَايَةٍ حَتَّى مَا يَجِدَ بَعْضُنَا مَوْضِعًا لِجَبْهَتِهِ، كَمَا فِي شَرْحِ م ر. (قَوْلُهُ: وَلَا يَنْوِي إلَخْ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ أَيْ لَا يُسَنُّ لَهُ ذَلِكَ، فَلَوْ فَعَلَ كَانَ خِلَافَ الْأَوْلَى، كَمَا فِي شَرْحِ م ر أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا تُشْرَعُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ ع ش عَلَى م ر

. (قَوْلُهُ: أَرْبَعَ عَشْرَةَ) إنْ قِيلَ: لِمَ اخْتَصَّتْ هَذِهِ الْأَرْبَعَ عَشْرَةَ بِالسُّجُودِ مَعَ ذِكْرِ السُّجُودِ وَالْأَمْرِ بِهِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي آيَاتٍ أُخَرَ، كَآخِرِ الْحِجْرِ، وَهَلْ أَتَى. قُلْنَا: لِأَنَّ تِلْكَ فِيهَا مَدْحُ السَّاجِدِينَ صَرِيحًا، وَذَمُّ غَيْرِهِمْ تَلْوِيحًا أَوْ عَكْسُهُ فَشُرِعَ لَنَا السُّجُودُ حِينَئِذٍ لِغُنْمِ الْمَدْحِ تَارَةً، وَالسَّلَامِ مِنْ الذَّمِّ أُخْرَى، وَأَمَّا مَا عَدَاهَا، فَلَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ بَلْ نَحْوُ أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُجَرَّدًا عَنْ غَيْرِهِ، وَهَذَا لَا دَخْلَ لَنَا فِيهِ، فَلَمْ يُطْلَبْ مِنَّا سُجُودٌ عِنْدَهُ وَأَمَّا {يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} [آل عمران: ١١٣] فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ ذِكْرِ فَضِيلَةٍ لِمَنْ آمَنَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، اهـ. حَجّ أَيْ فَهُوَ مَدْحٌ لِطَائِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ، وَكَلَامُنَا فِي مَدْحٍ عَامٍّ، لَكِنْ يَرِدُ عَلَى الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ {كَلا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: ١٩] فَإِنَّهُ يَسْجُدُ لَهَا مَعَ أَنَّ فِيهَا أَمْرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: سَجْدَتَا الْحَجِّ) قَدَّمَهُمَا عَكْسَ التَّرْتِيبِ الطَّبِيعِيِّ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ: لَيْسَ فِي الْحَجِّ إلَّا سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ أَوَّلُهَا، وَذَكَرَ بَعْدَهُمَا الْمُفَصَّلَ؛ لِأَنَّ مَالِكًا يَرَى أَنْ لَا سَجْدَةَ فِي الْمُفَصَّلِ أَصْلًا، وَكَذَا قَوْلٌ عِنْدَنَا قَدِيمٌ، يَرَى أَنْ لَا سُجُودَ فِي الْمُفَصَّلِ، وَيَقُولُ: إنَّ السَّجَدَاتِ إحْدَى عَشْرَةَ، فَقَدَّمَ سَجْدَتَيْ الْحَجِّ وَالْمُفَصَّلِ اهْتِمَامًا بِهِمَا لِلرَّدِّ عَلَى الْمُخَالِفِ. (قَوْلُهُ: وَحُمَّ السَّجْدَةِ) أَيْ: حم الَّتِي فِيهَا السَّجْدَةُ وَهِيَ فُصِّلَتْ. (قَوْلُهُ: وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ) اُنْظُرْ وَجْهَ التَّبَرِّي، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِمَوَاضِعِهَا، وَقَوْلُهُ: مِنْهَا ثَلَاثٌ فِي الْمُفَصَّلِ وَفِي الْحَجِّ سَجْدَتَانِ، اُنْظُرْ هَلْ هُوَ مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي أَوْ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ؟ وَمَا حِكْمَةُ الِاقْتِصَارُ عَلَى هَذِهِ الْخَمْسَةِ؟ نِعْمَ إنْ كَانَ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ حِكْمَةُ الِاقْتِصَارِ الرَّدَّ عَلَى الْمُخَالِفِ الْمُتَقَدِّمِ، حَرِّرْ. فَيَكُونُ تَرْكُ الْبَقِيَّةِ لِكَوْنِهِ ذَكَرَهَا سَابِقًا. وَكَوْنُهُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ هُوَ الظَّاهِرُ. (قَوْلُهُ: أَقْرَأَنِي) أَيْ: عَدَّ لِي أَوْ عَلَّمَنِي أَوْ تَلَا عَلَيَّ. (قَوْلُهُ: الْبَاقِيَةُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْحَدِيثِ

<<  <  ج: ص:  >  >>