للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: وَدِدْتُ أَنِّي أُفْلِتُ كَفَافًا لا عَلَيَّ وَلا لِي لَوْ أَنَّ لِي طَلاعَ الأَرْضِ ذَهَبًا وَفِضَّةً لافْتَدَيْتُ بِهَا مِنْ هَوْلِ الْمَطْلَعِ، لَوْ أَنَّ لِيَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا لافْتَدَيْتُ بِهَا مِنْ هَوْلِ مَا أَمَامِي قَبْلَ أَنْ أَعْلَمَ مَا الْخَبَرُ.

لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لتهنك الجنة يا أمير المؤمنين قال: غر بهذا غيري يا بن عَبَّاسٍ: قَالَ: وَلِمَ لا أَقُولُ لَكَ هَذَا؟ فَوَاللَّهِ إِنْ كَانَ إِسْلامُكَ لَعِزًّا وَإِنْ كَانَتْ هِجْرَتُكَ لَفَتْحًا وَإِنْ كَانَتْ وِلايَتُكَ لَعَدْلا وَلَقَدْ قُتِلْتَ مَظْلُومًا. فَقَالَ: تَشْهَدُ لِي بِذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَكَأَنَّهُ تَلَكَّأَ فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنْ جَانِبِهِ نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَشْهَدُ لَكَ بِذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

هَذَا خَوْفُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَيْنَ مِثْلُ عُمَرَ! كَانَتِ الصَّوَامِتُ تَنْطِقُ بِفَضْلِهِ وَهُوَ أَسِيرُ خَوْفِهِ وَحُزْنِهِ وَلَوْ رأيته لقلت له:

(سل عن فضائك الزَّمَانَ فَتُخْبَرَا ... فَنَظِيرُ مَجْدِكَ لا أَرَاهُ وَلا يرى)

(أو لا فَدَعْهُ وَادَّعِي الشَّرَفَ الَّذِي ... أَعْيَا الأَنَامَ فَلَسْتَ تَلْقَى مُنْكَرَا)

(مَا احْتَاجَ يَوْمًا أَنْ يُقَامَ بِشَاهِدٍ ... حَقٌّ أَزَالَ الشَّكَّ وَاجْتَاحَ الْمِرَا)

(فَلَقَدْ جَمَعْتَ مَنَاقِبًا مَا اسْتُجْمِعَتْ ... مَشْهُورَةً مَا اسْتُعْجِمَتْ فَتُفَسَّرَا)

(فَضْلُ الأَنَامِ وَأَنْتَ أَثْبَتُهُمْ قِرَا ... فِي حَمْلِ نَائِبَةٍ وَأَعْجَلُهُمْ قِرَا)

(لَوْ لَمْ تُمَلِّكُكَ الأُمُورُ قِيَادَهَا ... صَفَقَتْ قُرَى مِمَّا عَرَى وَوَهَتْ عُرَى)

(فَتَقَدَّمَ الأُمَرَاءُ غَيْرَ مُنَازَعٍ ... فَوَرَاءَ زَنْدِكَ كُلُّ زَنْدٍ قَدْ وُرَى)

(مَا بَيْنَ مَجْدِكَ وَالْمُحَاوِلِ مِثْلَهُ ... إِلا كَمَا بَيْنَ الثُّرَيَّا وَالثَّرَى)

وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: لَوْ أَنِّي بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ لا أَدْرِي إِلَى أَيَّتِهِمَا أَصِيرُ لاخْتَرْتُ أَنْ أَكُونَ رَمَادًا قَبْلَ أَنْ أَعْلَمَ إِلَى أَيَّتِهِمَا أَصِيرُ.

وَكَانَ عَلِيٌّ عليه السلام يَقُولُ: آهٍ مِنْ قِلَّةِ الزَّادِ وَبُعْدِ السَّفَرِ وَوَحْشَةِ الطَّرِيقِ!

وَاعَجَبًا لِخَوْفِهِمْ مَعَ التَّقْوَى وَأَمْنِكَ مَعَ الْمَعَاصِي!

يَا سَكْرَانَ الْهَوَى مَتَى تُفِيقُ، رَحَلَ الأَحْبَابُ وَمَا عَرَفْتَ الطَّرِيقَ، وَاتَّسَعَتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>