للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (٥٧)} [الكهف: ٥٧].

فهذا أعظم ظلماً من المعرض الذي لم تأته آيات الله ولم يذكر بها، فهما وإن كان كل منهما ظالماً، إلا أن من عصى على بصيرة وعلم، أعظم ممن ليس كذلك.

فهذا الظالم لما ذكر بآيات الله ثم أعرض عنها، عاقبه الله بأن سد عليه أبواب الهداية .. وجعل على قلبه أكنة تمنعه أن يفقه الآيات وإن سمعها .. وجعل في أذنه وقراً يمنعه من سماع الآيات على وجه الانتفاع كما قال سبحانه: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (٤٥) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا (٤٦)} [الإسراء: ٤٥،٤٦].

فالحجاب يمنع رؤية الحق .. والأكنة تمنع من فهمه .. والوقر يمنع من سماعه.

والظلم ثلاثة أنواع:

الأول: ظلم بين الإنسان وبين الله تعالى، وأعظمه الكفر والشرك والنفاق كما قال سبحانه: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (١٣)} [لقمان: ١٣].

وهو المقصود بقوله سبحانه: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٨) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (١٩)} [هود: ١٨،١٩].

الثاني: ظلم بين الإنسان وبين الناس كما قال سبحانه: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٤٠)} [الشورى: ٤٠].

الثالث: ظلم بين الإنسان ونفسه كما قال سبحانه: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: ١].

وجميع هذه الثلاثة في الحقيقة ظلم للنفس، فإن الإنسان في أول ما يهم بالظلم فقد ظلم نفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>