للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأول: أن فيه اشتغالًا؛ فيه اشتغال بما لم يشرع، وإكثار من الحركة، واهتمام بعد القيام لملأ الفراغ، وفيه اشغال للجار بملاحقة قدمه.

الثاني: فيه توسيع للفرج بين المتصافين، ويظهر ذلك إذا هوى المأموم للسجود. وهذا يؤدي إلى عدم التصاق منكبه بمنكب صاحبه، وركبته بركبته، وكعبه بكعبه، فانظر كيف ضيّع هذا المصلي سنة من أجل فعل لا أصل له.

الثالث: فيه اقتطاع لمحل قدم غيره بغير حق، فإن جاره يفر منه وهو يلاحقه في مكانه الذي سبق إليه.

الرابع: فيه تفويت لتوجيه رؤوس القدمين إلى القبلة؛ لأن أكثر هؤلاء يلوي قدمه، ليلزقها بقدم جاره.

الخامس: أن رصّ الصفوف خاص بما يلي الإمام، فمن كان يمين الصف فحقه أن يسد الخلل ويتم الصف متجهًا إلى اليسار، ومن كان على يسار الإمام فيتجه إلى اليمين، وفي هذا الفعل مخالفة بينة لهذه السنة (١) ولا دليل لمن يفعل ذلك بقول النعمان بن بشير المتقدم: (فرأيت الرجل يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وركبته بركبة صاحبه، وكعبه بكعبه)، فإن المراد بالحديث -كما يقول الحافظ في الفتح- المبالغة في تعديل الصف، وسدّ خلله (٢)؛ بدليل أن إلزاقه الركبة بالركبة حال القيام متعذر. وإنما ذكرت هذه الجزئية؛ لأني رأيت من يفعلها، ويحرص عليها ويناقش فيها، فرحم الله امرأ وقف عند السنة، ولم يفض به تطبيقها على الغلو والزيادة. ولا ينبغي للإنسان أن يقف بين السواري لغير حاجة؛ لما ورد عن معاوية ابن قرة، عن أبيه قال: (كنا ننهى أن نصف بين السواري على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ونطرد عنها طردًا) (٣)، وله شاهد من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- يتقوى به، يرويه عبد الحميد بن محمود قال: صليت مع أنس بن مالك يوم الجمعة فدفعنا إلى السواري، فتقدمنا وتأخرنا، فقال أنس: "كنا نتقي هذا على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" (٤). فهذا الحديث وما قبله نص صريح في أنه لا ينبغي للمصلين أن يصفوا بين السواري؛ لأن السواري تحول بينهم وبين اتصال الصف وتسويته (٥). لكن إن ضاق المسجد فلا بأس، كالمسجد الحرام أو بعض المساجد الكبيرة، وذلك للحاجة، لكن لا ينبغي التساهل في هذا، كما يوجد في المسجد الحرام عند قلة الناس، عندما يلزمك بعض الناس بإتمام الصف ولو كان بين السواري مع إمكان التقدم أو التأخر، فالذي أراه أن مثل هذا الصف ينبغي تركه إذا لم يكن حاجة، أما إذا كان الصف صغيرًا قدر ما بين الساريتين فلا بأس؛ لعدم العلة، وهي انقطاع الصف على القول بها.

ولا بأس بالصلاة بين الساريتين في غير الجماعة كالنافلة، قال البخاري رحمه الله: (باب الصلاة بين


(١) انظر رسالة: (لا جديد في أحكام الصلاة)، بقلم: بكر أبو زيد (ص ٩)، وما بعدها. مجموع فتاوى ابن عثيمين (١٣/ ٥١).
(٢) فتح الباري (٢/ ٢١١).
(٣) أخرجه ابن خزيمة (١٥٦٧)، وابن ماجه (١٠٠٢)، والحاكم (١/ ٢١٨)، والبيهقي (٣/ ١٠٤)، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. وواففه الذهبي، وفي سنده: هارون بن مسلم، وهو مستور، لكن يشهد له ما بعده، وانظر السلسلة الصحيحة (٣٣٥).
(٤) أخرجه أبو داود (٢/ ٣٧٠)، والترمذي (٢/ ٢١)، والنسائي (١/ ١٣١) وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. قال الحافظ في الفتح (١/ ٥٧٨): حديث أنس إسناده صحيح.
(٥) انظر فتح الباري (١/ ٥٧٨).

<<  <   >  >>