للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن الله سبحانه وتعالى قد علَّق الحكم بتبين طلوع الفجر، أي تيقن دخول وقته.

ثانياً: من السنة:

عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)). أخرجه البخاري ومسلم (١).

فعلق صلى الله عليه وسلم أذان ابن أم مكتوم رضي الله عنه بدخول وقت الفجر الثاني، فالعبرةُ بذلك، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، فمتى دخل وقت الفجر وجب الإمساك، وإن لم يُؤذَّن للصلاة، ومتى لم يدخل وقت الفجر لم يجب الإمساك وإن أُذِّن للصلاة.

أدلة الإمساك عملاً بالأحوط كما في بعض الحالات السابقة:

١ - عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الحلال بيِّن والحرام بيِّن وبينهما أمور مشتبهة فمن ترك ما شُبِّه عليه من الإثم كان لما استبان أترك ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم أوشك أن يواقع ما استبان ... )) أخرجه البخاري ومسلم (٢).

٢ - عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دع ما يَريبك إلى ما لا يَريبك)) (٣)

المسألة الرابعة: من طلع عليه الفجر وفي فمه طعام

اتفق أصحاب المذاهب الفقهية الأربعة على أن من طلع عليه الفجر وفي فمه طعام أن يلفظه ويتم صومه، فإن ابتلعه بعد علمه بالفجر بطل صومه (٤)؛ وذلك لأنه ابتلع طعاماً باختياره مع أنه يمكنه لفظه فأفطر بذلك.

واستثنى بعض أهل العلم (٥) من سمع الأذان وفي يده إناء، أن يتناول منه، واستشهدوا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده، فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه)) (٦).


(١) رواه البخاري (٦٢٣)، ومسلم (١٠٩٢).
(٢) رواه البخاري (٢٠٥١)، ومسلم (١٥٩٩).
(٣) رواه أحمد (١/ ٢٠٠) (١٧٢٣)، والترمذي (٢٥١٨)، والنسائي (٨/ ٣٢٧)، والطبراني (٣/ ٧٥) (٢٧٠٩)، والحاكم (٢/ ١٥)، والبيهقي (٥/ ٣٣٥) (١١١٣٤). قال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وحسنه النووي في ((المجموع)) (١/ ١٨١)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)).
(٤) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (٢/ ٩١)، ((حاشية الدسوقي)) (١/ ٥٣٣)، ((المجموع للنووي)) (٦/ ٣١٩)، ((الإنصاف للمرداوي)) (٣/ ٣٠٧)، ((المحلى لابن حزم)) (٦/ ٢٢٩). وقال ابن القيم: (وذهب الجمهور إلى امتناع السحور بطلوع الفجر وهو قول الأئمة الأربعة وعامة فقهاء الأمصار وروى معناه عن عمر وابن عباس) ((تهذيب سنن أبي داود)) (٦/ ٢٠٩).
(٥) قال الألباني: (فيه دليلٌ على أن من طلع عليه الفجر وإناء الطعام أو الشراب على يده أنه يجوز له أن لا يضعه حتى يأخذ حاجته منه فهذه الصورة مستثناة من الآية: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر)، فلا تعارض بينها وما في معناها من الأحاديث وبين هذا الحديث ولا إجماع يعارضه بل ذهب جماعة من الصحابة وغيرهم إلى أكثر مما أفاده الحديث وهو جواز السحور إلى أن يتضح الفجر وينتشر البياض في الطرق) ((تمام المنة في التعليق على فقه السنة)) (١/ ٤١٧). وقال ابن عثيمين: ( .. وأما تحريم الطعام فلقول الله تعالى: وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ*البقرة:١٨٧* .... فمتى تبين وجب الإمساك، لكن يرخص للإنسان الذي يكون الإناء في يده أن يكمل نهمته منه، أو اللقمة في يده أن يكملها، وأما أن يستأنف بعد تبين الصبح فلا يجوز) ((فتح ذي الجلال والإكرام)) (١/ ٤٤٦).
(٦) رواه أحمد (١٠٦٣٧)، وأبو داود (٢٣٥٠)، والدارقطني (٢١٨٢)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (٨٢٧٥). وقد اختلف أهل العلم في الحكم عليه، فسكت عنه أبو داود، وضعف أبو حاتم الرازي في ((العلل)) (٢/ ٥٩) رفعه وصححه موقوفاً عن أبي هريرة، وجود إسناده ابن تيمية في ((شرح العمدة - الصيام)) (١/ ٥٢٦)، وقال الألباني في ((صحيح أبي داود)) (٢٣٥٠): حسن صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>