للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ} فلما أمرهم موسى بالقتل، قالوا: نصبرُ لأمر الله، فجلسوا بالأَفْنِيَة مُحْتَبين؛ أي: مُنْتَصبين رُكَبَهم، وقيل لهم: من حَلَّ حبوتَهُ، أو مَدَّ طَرْفَه إلى قاتله، أو اتَّقى بيدٍ أو رجلٍ، فهو ملعونٌ مردودةٌ توبتهُ، وأصلتَ القومُ عليهم الخناجرَ، فكان الرجلُ يرى ابنَه وأخاه وأباه وقريبَه وصديقَه وجارَه، فلم يمكِنْهم إلا المضيُّ لأمر الله، قالوا: يا موسى! كيف نفعل؟ فأرسل اللهُ عليهم ضبابةً وسحابةً سوداءَ لا يُبصر بعضُهم بعضًا، وكانوا يقتلونهم إلى المساء، فلما كثر القتلُ، دعا موسى وهارون، وبَكَيا وتضرَّعا، وقالا: يا ربّ! هلكتْ بنو إسرائيل البقيةَ البقيةَ، فكشف الله السحابةَ، وأَمرهم أن يَكُفُّوا عن القتل، فتكشَّفَتْ عن ألوفٍ من القتلى، فاشتدَّ ذلك على موسى، فأوحى الله إليه: أما يرضيكَ أن أُدخلَ القاتلَ والمقتولَ منهم الجنة؟ فكان من قُتل منهم شهيدًا، ومن بقي منهم مُكَفَّرًا عنه ذنوبُه (١)، فذلك قوله تعالى:

{فَتَابَ} أي: إن فعلتم ذلك فقد تاب.

{عَلَيْكُمْ} تجاوزَ عنكم.

{إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ} القابل للتوبة.

{الرَّحِيمُ} قرأ أبو عمرٍو: (إنَّهْ هُّو) بإدغام الهاء في الهاء.

{وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٥)}.


(١) وانظر: "تفسير الطبري" (١/ ٢٨٦)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (١/ ١١١).