للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٢] شروط أخرى في الزوجين اختلف فيها العلماء، بسبب اختلافهم في حقيقة اللعان: هل هو يمين أو شهادة؟ فقال الجمهور: اللعان يمين بلفظ الشهادة ومن ثم قالوا: يصح اللعان من كل الزوجين مكلَّفين سواءً كانا مسلمين أو كافرين، أو عدلين أو فاسقين، أو محدودين في قذف أو كان أحدهما كذلك.

وقال الحنفية - ومعه: الثوري والزهري والأوزاعي-: اللعان شهادة، فلا يصح عندهم إلا من زوجين مسلمين عدلين حرَّين غير محدودين في قذف (١).

قلت: لكل من القولين مأخذه (٢)، لكن الذي يبدو أن اللعان يمين مؤكدة بشهادة، لما يأتي:

١ - أنه يفتقر إلى اسم الله، وإلى ذكر القسم المؤكد وجوابه، كما قال تعالى: {أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} (٣).

٢ - أنه يستوي فيه الذكر والأنثى بخلاف الشهادة.

٣ - أنه لو كان شهادة لما تكرر لفظه بخلاف اليمين.

٤ - أن حاجة الزوج التي لا تصحُّ منه الشهادة إلى اللعان ونفي الولد، كحاجة من تصح منه الشهادة سواء، والأمر الذي ينزل به مما يدعو إلى اللعان كالذي ينزل بالعدل الحر، والشريعة لا ترفع ضرر أحد النوعين، وتجعل له فرجًا ومخرجًا مما نزل به، وتدع الآخر في الآصار والأغلال، ولا فرج له مما نزل به، ولا مخرج، إن تكلم بأمر عظيم، وإن سكت سكت على مثله، قد ضاقت عنه الرحمة التي وسعت من تصح شهادته، وهذا تأباه الشريعة الحنيفية السمحة.

قلت: ويدل على هذا عموم قوله: {والَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} (٤).

وأما تسمية اللعان شهادة، فلقول الملاعن في يمينه: «أشهد بالله» فسمى ذلك شهادة وإن كان يمينًا، كما قال تعالى: {إذَا جَاءَكَ المُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} (٥).


(١) «البدائع» (٣/ ٢٤٢)، و «المبسوط» (٧/ ٤٠)، و «نهاية المحتاج» (٧/ ٩٧). و «المغنى» (٧/ ٣٩٢)، «المحلى» (١٠).
(٢) انظر «زاد المعاد» لابن القيم (٥/ ٣٥٩) وما بعدها ففيه بحث نفيس.
(٣) سورة النور: ٦.
(٤) سورة النور: ٦.
(٥) سورة المنافقون: ١

<<  <  ج: ص:  >  >>