للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لهما: واللهِ ما تَرَكتُما شيئًا مما أَبَيتماه إلَّا فَعلْتُماه حين سَكِرتما، فخيِّرا بين عذابِ الدُّنيا وعذابِ الآخرةِ فاختارا عذابَ الدُّنيا" (١).

وحكى جدّي قولين آخرين:

أحدهما: عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنهما جارا في الحكم.

والثاني: أنهما همَّا بالمعصية فقط، ولم يفعلاها (٢).

قلت: وهذا القول الأخير أليق بالملائكة من مباشرة الزِّنا والقتل وشرب الخمر.

قال ابن عباس: فلمَّا أمسيا همَّا بالصعود إلى السماء بعدما قارفا الذَّنب، فلم تضعهما أجنحتهما، فعلما ما حلَّ بهما، فقصدا إدريس وسألاه أن يشفع لهما إلى الله، وقالا: إنَّا رأيناك يصعد لك من العبادة (٣) مثل ما يصعد لجميع أهل الأرض فاشفع لنا، فشفع فيهما، فخيَّرهما الله بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا لعلمهما أنه ينقطع، فهما ببابل يعذَّبان (٤).

وروى أبو صالح عن ابن عباس، ورواه معاذ مرفوعًا والموقوف أصحّ، قال: جاءهما جبريل، فبكيا وبكى معهما، فقال لهما: ما هذه البليّة التي أجحفت بكما؟ وما هذا الشّقاء؟ فإنّ الله أرسلني إليكما يخيِّركما بين عذاب الدنيا وأن تكونا عنده في الآخرة في المشيئة إن شاء عذبكما وإن شاء رحمكما، وإن شئتما عذاب الآخرة. فاختارا عذاب الدنيا وأن يكونا عند الله في المشيئة، قال: فهما ببابل فارس معلقان بين جبلين في غار تحت الأرض، يعذّبان طرفي النّهار إلى الصّيحة. فلما رأت الملائكة ذلك خفقت بأَجنحتها ثم قالت: اللهمَّ اغفر لولد آدم فذلك قوله تعالى: ﴿ويَسْتغفِرُونَ لِمَن في الأَرضِ﴾ (٥) [الشورى: ٥].

وفي رواية: فقالت الملائكة: عجبًا لبني آدم كيف يعبدون الله تعالى ويطيعونه على


(١) "كتاب التوابين" (١) وهو عند أحمد في "المسند" (٦١٧٨)، وهو حديث باطل انظر الكلام عليه في "المسند".
(٢) ذكرهما في "زاد المسير" ١/ ١٢٤.
(٣) في (ب): "العمل".
(٤) انظر "عرائس المجالس" ص ٥٣.
(٥) أخرجه المقدسي في "التوابين" (٢) موقوفًا.