للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الليل، اجتمع هؤلاء النفر من المشركين على باب النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يرصدونه حتى ينام فيثبون عليه، فلما رأى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- مكانهم قال لعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه- نم على فراشي، وتسجى ببردي هذا الحضرمي الأخضر، فنم فيه، فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم، وكان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ينام في برده ذلك إذ ينام، ثم خرج رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وهو يتلو هذه الآيات: {يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ... } (يس: ١، ٢) إلى قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} (يس: ٩) ولم يبق منهم رجل إلا وقد وضع على رأسه ترابًا، ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب، فأتاهم آت ممن لم يكن معهم، فقال: ما تنتظرون هاهنا؟ قالوا: محمدًا. قال: خيبكم الله، قد والله خرج عليكم محمد، ثم ما ترك منكم رجلاً إلا وقد وضع على رأسه ترابًا وانطلق لحاجته، أفما ترون ما بكم؟ قال: فوضع كل رجل منهم يدًا على رأسه؛ فإذا عليه تراب، ثم جعلوا يتطلعون فيرون عليًّا على الفراش متسجيًا ببرد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فيقولون: والله، إن هذا لمحمد نائمًا على برده، فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا، فقام علي عن الفراش. فقالوا: والله لقد صدقنا الذي كان حدثنا، حمى المغوار حيدرة -وهو اسم من أسماء علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- حمى بفضل الله -عز وجل- الدعوة في شخص نبيها -صلى الله عليه وآله وسلم- ونام على فراشه، وفي فراشه، في أصعب ليلة مرت بها الدعوة.

وتأملوا هذا الموقف، رجل ينام في فراش الموت وهو يعلم أن على الباب رجالاً لا يريدون إلا رأس النائم على الفراش، ومع ذلك يضحي بنفسه في سبيل الله -تبارك وتعالى- وينام في فراش النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فداء للحبيب المصطفى المختار -صلوات الله وسلامه عليه- وقد نجاه الله -عز وجل- كما نجى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم.

<<  <   >  >>