للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَمُقَابِلُهُ: يَصُومُ السَّنَةَ كُلَّهَا. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ: ثُمَّ إِذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ إِنَّمَا يَصُومُ شَهْرًا وَاحِدًا، فَلَوْ شَكَّ فِي الشَّهْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ: هَلْ هُوَ شَعْبَانُ أَوْ رَمَضَانُ؟ فَإِنَّهُ يَصُومُ شَهْرَيْنِ: الَّذِي هُوَ فِيهِ؛ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ رَمَضَانَ، وَالَّذِي يَلِيهِ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ شَعْبَانَ، وَإِنْ شَكَّ فِي الشَّهْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ: هَلْ هُوَ رَمَضَانُ أَوْ شَوَّالُ؟ صَامَ الَّذِي هُوَ فِيهِ لَا أَكْثَرَ، فَإِنْ كَانَ رَمَضَانَ فَقْدْ صَامَهُ، وَإِنْ كَانَ شَوَّالًا كَانَ قَضَاءً، وَإِنَّ شَكَّ هَلْ هُوَ شَعْبَانُ أَوْ رَمَضَانُ أَوْ شَوَّالُ؟ صَامَ شَهْرَيْنِ: الَّذِي هُوَ فِيهِ، وَالَّذِي يَلِيهِ، انْتَهَى، وَأَصْلُهُ لِلَّخْمِيِّ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَالَ فِيمَا إِذَا شَكَّ هَلْ هُوَ رَمَضَانُ أَوْ شَوَّالُ؟: وَقُلْنَا يَصُومُ الَّذِي هُوَ فِيهِ فَقَطْ. يُرِيدُ فَإِنْ سَاوَى عَدَدُهُ عَدَدَ مَا قَبْلَهُ قَضَى يَوْمًا، وَإِنْ كَانَ شَهْرُهُ أَقَلَّ قَضَى يَوْمَيْنِ وَإِلَّا فَلَا قَضَاءَ، انْتَهَى.

ص: (أَوْ بَقِيَ عَلَى شَكِّهِ) ش: الَّذِي جَزَمَ بِهِ اللَّخْمِيُّ: أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ، وَلَا حَدَثَ أَمْرٌ يُشَكِّكُهُ سِوَى مَا كَانَ عَلَيْهِ أَجَزَأَهُ، وَإِنْ شَكَّ هَلْ كَانَ رَمَضَانَ أَوْ بَعْدَهُ؟ أَوْ شَكَّ هَلْ كَانَ رَمَضَانَ أَوْ قَبْلَهُ؟ قَضَاهُ، انْتَهَى.

(فَرْعٌ) : قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَإِنْ صَامَ الْأَسِيرُ شَهْرًا تَطَوُّعًا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ رَمَضَانَ لَمْ يُجْزِئْهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَيَجْرِي فِيهِ قَوْلٌ آخَرٌ، أَنَّهُ يُجْزِئُهُ، قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِ فِيمَنْ صَامَ رَمَضَانَ عَنْ عَامٍ فَرَّطَ فِيهِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ عَنِ الْعَامِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، وَلَا يَضُرُّ مَا نَوَى؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقُّ الْعَيْنِ، انْتَهَى.

وَرَدَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّ نِيَّةَ قَضَاءِ الْوَاجِبِ أَقْرَبُ لِأَدَائِهِ مِنْ نِيَّةِ تَطَوُّعِهِ، انْتَهَى.

وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَسَمِعَ عِيسَى بْنُ الْقَاسِمِ مَنْ كَانَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ فَعُمِّيَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ، وَكَانَ عَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرِ نَذْرٍ، فَصَامَ رَمَضَانَ لِنَذْرِهِ وَهُوَ لَا يَرَاهُ رَمَضَانَ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ، قَالَ: لَا يُجْزِيهِ لِرَمَضَانَ وَلَا لِنَذْرِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا رَمَضَانُ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهْ، وَأَمَّا نَذْرُهُ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْخِلَافُ مِنْ مَسْأَلَةِ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ قَضَى عَنْ غَيْرِهِ، انْتَهَى.

ص: (وَفِي مُصَادَفَتِهِ تَرَدُّدٌ) ش: الَّذِي قَطَعَ بِهِ اللَّخْمِيُّ الْإِجْزَاءُ، وَحَكَاهُ كَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ فِي الطِّرَازِ، وَعَزَا مُقَابِلَهُ لِلْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، وَرَدَّهُ، وَقَالَ: إِنَّهُ فَاسِدٌ، وَلَيْسَ شَكُّهُ فِي رَمَضَانَ كَشَكِّهِ فِي يَوْمِ الشَّكِّ. وَقَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ إِذَا شَكَّ فِي هِلَالِ شَوَّالٍ: أَنَّهُ يَصُومُهُ وَيُجْزِيهِ.

ص: (وَصِحَّتُهُ مُطْلَقًا بِنِيَّةٍ مُبَيَّتَةٍ، أَوْ مَعَ الْفَجْرِ) ش: يَعْنِي أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الصَّوْمِ مُطْلَقًا - أَيْ فَرْضًا كَانَ أَوْ نَفْلًا مُعَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ - أَنْ يَكُونَ بِنِيَّةٍ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَقَوْلُهُ: «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ» رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَا يُقَالُ: الصَّوْمُ لَيْسَ بِعَمَلٍ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْحَدِيثُ وَإِنَّمَا هُوَ كَفٌّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْكَفُّ عَمَلٌ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِكَايَةً عَنْ رَبِّهِ: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمُ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» ، وَقَوْلُ الطَّحَاوِيِّ: إِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ - بَعِيدٌ، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. وَيُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الصَّوْمِ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ مُبَيَّتَةً مِنَ اللَّيْلِ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ اقْتِرَانُهَا مَعَ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النِّيَّةِ أَنْ تَكُونَ مُقَارِنَةً لِأَوَّلِ الْعِبَادَةِ، وَإِنَّمَا جَوَّزَ الشَّرْعُ تَقْدِيمَهَا لِمَشَقَّةِ تَحْرِيرِ الِاقْتِرَانِ.

وَحَكَى فِي الْبَيَانِ قَوْلًا بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إِيقَاعُهَا مَعَ الْفَجْرِ، وَقَالَ فِي فَرْضِ الْعَيْنِ، وَصِفَتُهَا: أَنْ تَكُونَ مُبَيَّتَةً مِنَ اللَّيْلِ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ اقْتِرَانُهَا مَعَ الْفَجْرِ لِلصَّوْمِ، سَوَاءً كَانَ صَوْمًا وَاجِبًا أَوْ تَطَوُّعًا أَوْ نَذْرًا أَوْ كَفَّارَةً، وَأَنْ تَكُونَ مُبَيَّتَةً مِنَ اللَّيْلِ، أَوْ مُقَارِنَةً لِلْفَجْرِ، وَأَنْ تَكُونَ جَازِمَةً مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ، وَيَنْوِيَ أَدَاءَ فَرْضِ رَمَضَانَ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: أَمَّا الْجَزْمُ فَيَتَحَرَّزُ بِهِ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>