للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

- ج -

تقديم

حفلت مجالس الخلفاء في العصر العباسى (١٣٢: ٦٥٦ هـ - ٧٤٩: ١٢٥٨ م) بطائفة كبيرة من الرواد الأوائل في رواية الأدب العربي، الذين يجتمعون فيسمرون به في مجالسهم، ويتذاكرون على صفحته ماضى آبائهم وأجدادهم، فيأخذون منه الحكمة والعلم، ويستنُّون هديه في الإبانة والقول، ويجد فيه الخلفاء سير من سبقوهم في الولاية على الناس مسطورة بالروح العربية، معلمة بتلك الألوان التي أضفاها الشعراء على الملوك والأمراء والحاكمين.

ولقد امتاز العصر العباسي بأنه العصر الذي عنى فيه الأدباء بتدوين اللغة العربية، آدابها وألفاظها، شعرها ونثرها، حفاظا على التراث العربي، وتسجيلا للغة العربية التي سادت الشرق الأدنى والأقصى وبلاد المغرب، وسيطرت على عقول أبناء الدول التي خضعت لحكم العرب.

وقد ظهرت في هذا العصر مدارس عديدة تضمها مساجد البصرة والكوفة، وينتظم فيها علماء اللغة والأدب من العرب والمولدين الذين شاركوا في فن التأليف والنقد، وأقاموا الإنتاج الأدبى على الأسس العلمية التي تحولت بها الدراسات العربية من نظريات بدائية إلى علوم تامة وقواعد منظمة، فصار النقد الأدبي قائما على قوانين ومعايير معلومة بدل أن كان متمشيا وفق الذوق الفطرى والأحاسيس الفردية.

وكان طبيعيا أن تقوم إلى جانب هذه النهضة الأدبية والتأليفية سوق للوراقة، تضم الكتب في أشكالها المختلفة، وتعنى بتسجيل الرواية في ألوانها العديدة؛ وما كانت هذه الوراقة مقصورة على بيع الكتب للراغبين في حيازتها، وإنما كانت محالها مراكز ثقافية تضم كل الأعمال التي تسبق حياة الكتاب من رواية ونسخ، وتقوم فيها الخدمة المكتبية غير الموقوتة بزمن في ليل أو نهار على خير ما تؤدى المكتبات رسالتها؛ وكان الوراقون ذوى أدب وعلم وذوق فنى، يهرع إليهم المتأدبون

ج: ص:  >  >>