للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عام حج على المنبر، يقول: يا أهل المدينة، أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: هذا يوم عاشوراء ولم يكتب عليكم صيامه، وأنا صائم فمن شاء فليصم، ومن شاء فليفطر"١.

وقد حاول شراح حديث "عائشة" إيجاد مخرج له، فقالوا في شرح: "كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية"، "يحتمل أنهم اقتدوا في صيامه بشرع سالف، ولذا كانوا يعظمونه بكسوة البيت الحرام فيه". وقد وضع بعضهم بعد "وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم يصومه" جملة "في الجاهلية".

وحاولوا إيجاد مخرج آخر لحديث "معاوية بقولهم: "والظاهر أن معاوية قاله لما سمع من يوجبه أو يحرمه، أو يكرهه، فأراد إعلامهم بنفي الثلاثة، فاستدعاؤه لهم تنبيهًا لهم على الحكم أو استعانة بما عندهم على ما عنده". وقالوا: "إن معاوية من مسلمة الفتح، فإن كان سمع هذا بعد إسلامه، فإنما يكن سمعه سنة تسع أو عشر، فيكون ذلك بعد نسخه بإيجاب رمضان، ويكون المعنى لم يفرض بعد إيجاب رمضان، جمعًا بينه وبين الأدلة الصريحة في وجوبه، وإن كان سمعه قبله فيجوز كونه قبل افتراضه"٢. ثم ذكروا بعد هذين الحديثين، حديثًا يناقضهما تمامًا، وهو أن النبي حين قدم المدينة فرأى اليهود تصوم، فقال: "ما هذا الصوم؟ " قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى. قال النبي: "فأنا أحق بموسى منكم فصامه، وأمر صيامه"٣. وهو حديث للعلماء عليه كلام.

وحديث معاوية لا يدل على صوم قريش ليوم عاشوراء في الجاهلية، وقد استدل به "ابن الجوزي" على أن صوم عاشوراء لم يكن واجبًا، ولا يفهم منه أبدًا أن قريشًا كانوا يصومونه قبل الإسلام. ولو كان معروفًا لما خفي أمره عليه وعلى غيره من قريش، وحديث "عائشة" حديث مفرد، ويجوز أن يكون قد وضع على لسانها، ولا يعقل انفرادها به وعلمها وحدها بصيام قريش في ذلك اليوم، وخفاء أمره على غيرها من الرجال والنساء ممن عاش معظم حياته في الجاهلية.


١ إرشاد الساري "٣/ ٤٢٢".
٢ إرشاد الساري "٣/ ٤٢٢".
٣ إرشاد الساري "٣/ ٤٢٢".

<<  <  ج: ص:  >  >>