للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَى الْأَرْضِ فَيَهْلِكُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ. وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَذَلِكَ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ الْعُلْوِيَّةِ فَيُنَاسِبُ تَكْوِيرَ الشَّمْسِ وَانْكِدَارَ النُّجُومِ.

والْوُحُوشُ: جَمْعُ وَحْشٍ وَهُوَ الْحَيَوَانُ الْبَرِّيُّ غَيْرُ الْمُتَأَنِّسِ بِالنَّاسِ.

وَحَشْرُهَا: جَمْعُهَا فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ، أَيْ مَكَانٍ مِنَ الْأَرْضِ عِنْدَ اقْتِرَابِ فَنَاءِ الْعَالَمِ فَقَدْ يَكُونُ سَبَبُ حَشْرِهَا طُوفَانًا يَغْمُرُ الْأَرْضَ مِنْ فَيَضَانِ الْبِحَارِ فَكُلَّمَا غَمَرَ جُزْءًا مِنَ الْأَرْضِ فَرَّتْ وُحُوشُهُ حَتَّى تَجْتَمِعَ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ طَالِبَةً النَّجَاةَ مِنَ الْهَلَاكِ، وَيُشْعِرُ بِهَذَا عَطْفُ وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ عَلَيْهِ.

وَذُكِرَ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْوُحُوشِ إِيمَاءً إِلَى شِدَّةِ الْهَوْلِ فَالْوُحُوشُ الَّتِي مِنْ طَبْعِهَا نَفْرَةُ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ تَتَجَمَّعُ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ لَا يَعْدُو شَيْءٌ مِنْهَا عَلَى الْآخَرِ مِنْ شِدَّةِ الرُّعْبِ، فَهِيَ ذَاهِلَةٌ عَمَّا فِي طَبْعِهَا مِنَ الِاعْتِدَاءِ وَالِافْتِرَاسِ، وَلَيْسَ هَذَا الْحَشْرَ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ بِهِ

لِلْحِسَابِ بَلْ هَذَا حَشْرٌ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِمَا عُدَّ مَعَهُ مِنَ الْأَشْرَاطِ، وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ.

وَتَسْجِيرُ الْبِحَارِ: فَيَضَانُهَا قَالَ تَعَالَى: وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ فِي سُورَةِ الطُّورِ [٦] .

وَالْمُرَادُ تَجَاوُزُ مِيَاهِهَا مُعَدَّلَ سُطُوحِهَا وَاخْتِلَاطُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَذَلِكَ مِنْ آثَارِ اخْتِلَالِ قُوَّةِ كُرَةِ الْهَوَاءِ الَّتِي كَانَتْ ضَاغِطَةً عَلَيْهَا، وَقَدْ وَقَعَ فِي آيَةِ سُورَةِ الِانْفِطَارِ [٣] : وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ

وَإِذَا حَدَثَ ذَلِكَ اخْتَلَطَ مَاؤُهَا بِرَمْلِهَا فَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ.

يُقَالُ: سَجَّرَ مُضَاعَفًا وسجر مخففا. وقرىء بِهِمَا فَقَرَأَهُ الْجُمْهُورُ مُشَدَّدًا. وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ مُخَفَّفًا.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ شُرُوعٌ فِي ذِكْرِ الْأَحْوَالِ الْحَاصِلَةِ فِي الْآخِرَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقَدِ انْتُقِلَ إِلَى ذِكْرِهَا لِأَنَّهَا تَحْصُلُ عَقِبَ السِّتَّةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَابْتُدِئَ بِأَوَّلِهَا وَهُوَ تَزْوِيجُ النُّفُوسِ، وَالتَّزْوِيجُ: جَعْلُ الشَّيْءِ زَوْجًا لِغَيْرِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ كِلَاهُمَا فَرْدًا، وَالتَّزْوِيجُ أَيْضًا: جَعْلُ الْأَشْيَاءِ أَنْوَاعًا مُتَمَاثِلَةً قَالَ تَعَالَى: وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ [الرَّعْد: ٣] لِأَنَّ الزَّوْجَ يُطْلَقُ عَلَى النَّوْعِ وَالصِّنْفِ مِنَ الْأَشْيَاءِ وَالنُّفُوسُ: جَمْعُ نَفْسٍ، وَالنَّفْسُ يُطْلَقُ عَلَى الرُّوحِ، قَالَ تَعَالَى: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ [الْفجْر:

٢٧، ٢٨] وَقَالَ: أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ [الْأَنْعَام: ٩٣] .