للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والكسل. وكانوا يقولون: إن المربّى في المدن يكون كليل الذهن، فاتر العزيمة، ضعيف البنية. هذا إلى ما في نشأتهم بين الأعراب من استقامة اللسان بالفصيح من الكلام، والسلامة من اللحن، والبراءة من الهجنة. ولما قال الصديق أبو بكر رضي الله تعالى عنه- للنبي صلّى الله عليه وسلّم: «ما رأيت من هو أفصح منك يا رسول الله؟» فقال: «وما يمنعني، وأنا من قريش، وأرضعت في بني سعد» .

فمن ثمّ كانوا يرسلون أبناءهم إلى البادية حتى يبلغوا الثامنة أو العاشرة، ومن القبائل من كان لها في المراضع شهرة، وفي الفصاحة مكان، ومنها قبيلة بني سعد التي منها حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية مرضعة النبي، وقد مكث عندها سنتين، ثم عادت به كي تراه أمه، فما إن رأته، وملأت عينيها منه حتى احتضنته وقبلته، وسرها ما رأته عليه من علامات الصحة، والنضارة، والنمو، وتوسلت حليمة إلى أمه أن ترجعه معها حتى يكبر؛ فإنها تخشى عليه وباء مكة، وما زالت بها حتى قبلت، ثم عادت به بعد سنتين «١» ، وهي بادية القلق، شديدة التخوف عليه، حتى أحسّت ذلك منها السيدة امنة، فسألتها عن سبب ذلك، فأنكرت أن يكون هناك شيء، ثم لم تلبث أن أخبرتها بقصة الملكين اللذين جاا إليه وهو في غنم لهم مع أخيه السعدي، فشقّا صدره، فطمأنتها أمّه أنه لا سبيل للشيطان عليه، وأنه سيكون له شأن، وقالت لها: دعيه عنك، وانطلقي راشدة.

وسأدع السيدة حليمة تقص القصة لما فيها من العبرة والروعة، ورعاية الله لنبيه من الصغر، قالت:

قدمت مكة في نسوة من بني سعد نلتمس الرضعاء «٢» في سنة شهباء «٣» ،


(١) هذا هو الذي جزم به الحافظ زين الدين العراقي في نظم السيرة، والحافظ ابن حجر في سيرته، وهي صغيرة مفيدة التزم فيها الأصح، فقد قالا: إن شق الصدر كان في الرابعة، وكفى بهما إمامين حافظين، لا ما ذكره ابن إسحاق من أنه كان في أوائل الثالثة بعد شهرين أو ثلاثة من رجوع حليمة به.
(٢) جمع رضيع.
(٣) ذات جدب وقحط.

<<  <  ج: ص:  >  >>