للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شاعر فلا مانع من أن نذكر بجانب هذا الرأي رأيًا آخر، ربما كان أدق وأصدق، فكثير من الأشياء يمكن أن يكون قد فات القدماء. وقد انتهى إلى نظرية عامة هي نظرية الانتحال في الشعر الجاهلي. وفي أثناء ذلك دعا إلى حرية الفكر، وأن ننظر في الأدب نظرًا غير مقيد بمذهب أو عقيدة سوى روح البحث التحليلي. وثارت ثائرة النقاد وخاصة مصطفى صادق الرافعي ورجال الأزهر، وتخلف عن هذه الثورة كثير من الكتب وتدخلت الحكومة؛ ولكن العاصفة مرت بسلام، وأعاد طبع كتابه باسم "في الأدب الجاهلي".

ووجهته هذه المعركة العنيفة إلى النظر في شأنه وتطوره، ومن هنا بدأ يكتب ترجمته الذاتية "الأيام"؛ فأخرج الجزء الأول منها في سنة ١٩٢٩ بعد أن نشره فصولًا في مجلة الهلال ... وأصبح عميدًا لكلية الآداب، إلا أن عهد إسماعيل صدقي يُظلُّ مصر، وتدخل في أيام مظلمة، في السياسة وغير السياسة، فيُبْعَدُ طه حسين عن الجامعة، ويستقيل منها لطفي السيد. ولا يلبث أن ينضم إلى حزب الوفد، ويكتب في "صحيفة كوكب الشرق"، ويخرج صحيفة "الوادي"، ويحول قلمه إلى ما يشبه سوطًا، يلهب به لحم صدقي الطاغية.

ويظل في هذا الصراع من سنة ١٩٣١ إلى سنة ١٩٣٤؛ أي: طوال حكم صدقي، ولكنه لا ينصرف عن الأدب والكتابة فيه؛ فقد أخرج في سنة ١٩٣٢ كتابه "في الصيف"، وهو مجموعة رسائل كتبها بأوربا في صيف سنة ١٩٢٨ يصف فيها رحلته في البحر وأثرها فيه، ويجره ذلك إلى ذكريات أول رحلة له إلى فرنسا، وتتجسم في مخيلته صور أخرى من شبابه حين كان في الأزهر وحين كان يشغف مع رفقائه فيه بالنزعة العقلية المتحررة التي دعا إليها محمد عبده. وفي سنة ١٩٣٣ ينشر دراسته عن "حافظ وشوقي"، كما ينشر أول جزء له من سلسلته البديعة "على هامش السيرة"، وظهر له بعد هذا الجزء جزآن. وفي الأجزاء الثلاثة يتخذ من السيرة النبوية وما فيها من أحداث وأشخاص مادة لقصص رائع.

<<  <   >  >>