للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسبعين، فلما ولي عبد الملك منع أهل الشام من الحج من أجل ابن الزبير: كان يأخذ الناس بالبيعة له إذا حجوا، فضج الناس لما منعوا الحج، فبنى عبد الملك في بيت المقدس الصخرة، فكان الناس يحضرونها يوم عرفة ويقفون عندها، ويقال إن ذلك سبب التعريف من مسجد بيت المقدس ومساجد الأمصار. وذكر الجاحظ في كتاب نظم القرآن، أن أول من سنّ التعريف في مساجد الأمصار عبد الله بن عباس؛ وذكر أبو عمر الكندي (١) إن عبد العزيز بن مروان أول من سنّ التعريف بمصر في الجامع بعد العصر.

ثم بعد ذلك بعث عبد الملك الحجاج إلى عبد الله بن الزبير، وسبب ذلك أن عبد الملك لما قتل مصعباً وابنه عيسى وأراد الرجوع إلى الشام قام إليه الحجاج فقال: يا أمير المؤمنين أني رأيت في منامي أني أخذت عبد الله بن الزبير فسلخته فابعثني إليه وولّني عليه، فبعثه في جيش من أهل الشام كثيف، فنزل الطائف، وكان يبعث البعوث فيقاتلون ابن الزبير، ففي ذلك كله ترجع خيل الحجاز بالظفر، ثم كتب الحجاج إلى عبد الملك يستأذنه في دخول الحرم عليه وحصاره، وأخبره أن شوكته قد كلّت، فأذن له في ذلك، فلما دخل ذو القعدة رحل الحجاج من الطائف حتى نزل بئر ميمون وحصر ابن الزبير. وأمدّ عبد الملك الحجاج لهلال ذي الحجة، ولم يطف بالبيت ولم يصل إليه، وكان يلبس السلاح ولا يمسّ النساء ولا الطيب إلى أن قتل ابن الزبير. ولم يحج ابن الزبير ولا أصحابه في هذه السنة لأنهم لم يقفوا بعرفة، وحجّ الحجاج في هذه السنة ثم حصر ابن الزبير ثمانية أشهر، فتفرق عامة من كان معه وخرجوا إلى الحجاج في الأمان حتى بلغ عدة المستأمنة عشرة آلاف، وكان في جملتهم ابنا عبد الله بن الزبير، أخذا أماناً لنفسيهما.

فلما رأى عبد الله بن الزبير ما رأى من ولده وأصحابه دخل على أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما فقال: يا أمه، قد خذلني الناس حتى ولدي وأهلي ولم يبقَ إلا اليسير ممن ليس عنده من الدفع إلا صبر ساعة،


(١) انظر ص: ٥٠ من كتاب الكندي.

<<  <  ج: ص:  >  >>