للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البيمارستان الذي كان يحمله أربعون جملاً المستصحب في معسكر (١) السلطان محمود السلجوقي حيث خيم، وكان السديد أبو الوفاء يحيى بن سعيد بن يحيى المظفر المعروف بابن المرخم (٢) الذي صار أقضى القضاة ببغداد في أيام الأمام المقتفي فاصداً وطبيباً في هذا البيمارستان، ثم إن العماد أثنى على أبي الحكم المذكور، وذكر فضله وما كان عليه، وذكر أن له كتاباً سماه " نهج الوضاعة لأولي الخلاعة ". ثم إن أبا الحكم المذكور انتقل إلى الشام وسكن دمشق، وله فيها أخبار وماجرايات ظريفه تدل على خفة روحه.

رأيت في ديوانه أن أبا الحسين أحمد بن منير الطرابلسي - المقدم ذكره في حرف الهمزة (٣) - كان عند الأمراء بني منقذ بقلعة شيزر، وكانوا مقبلين عليه، وكان بدمشق شاعر يقال له أبو الوحش سبع بن خلف بن محمد بن هبة الله الفقعسي، وكانوا يصغرون كنيته فيقولون " وحيش " (٤) وكانت فيه دعابة، وبينه وبين أبي الحكم مودة وألفة متحدة، فعزم أبو الوحش أن يتوجه إلى شيزر يمدح بني منقذ ويسترفدهم، فالتمس من أبي الحكم المذكور كتاباً إلى ابن منير بالوصية عليه، فكتب أبو الحكم:

أبا الحسين استمع مقال فتىً ... عوجل فيما يقول فارتجلا

هذا أبو الوحش جاء ممتدح ال ... قوم فنوه به إذا وصلا

واتل عليهم بحسن شرحك ما ... أتلوه من حديثه (٥) جملا

وخبر القوم أنه رجل ... ما أبصر الناس مثله رجلا

تنوب عن وصفه شمائله ... لا يبتغي عاقل به بدلا


(١) ر: عسكر.
(٢) ولاه المقتفي القضاء سنة ٥٤١ ثم عزله المستنجد عن القضاء لما ولي الخلافة (٥٥٥هـ) وكان ظالماً يأخذ الرشا (انظر مرآة الزمان: ١٨٧ وابن الأثير ١١: ٢٥٨، ٣٦٢) .
(٣) انظر ج ١ ص: ١٥٦.
(٤) ترجمة أبي الوحش في الخريدة (قسم الشام) ١: ٢٤٢.
(٥) كذا في جميع النسخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>