للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال إبراهيم بن العباس الصولي (١) ، وقد ذكر عبد الحميد المذكور عنده: كان والله الكلام معاناً له، ما تمنيت كلام أحد من الكتاب قط أن يكون لي مثل كلامه. وفي رسالة له " والناس أخياف مختلفون، وأطوار متباينون، منهم علق مضنة لا يباع، وغل مظنة لا يبتاع " وكتب على يد شخص كتاباً بالوصاة عليه إلى بعض الرؤساء فقال: " حق موصل كتابي إليك عليك كحقه علي إذ رآك موضعا لأمله، ورآني أهلاً لحاجته، وقد أنجزت حاجته، فصدق أمله ". ومن كلامه " خير الكلام ما كان لفظه فحلاً ومعناه بكراً ". وكان كثيراً ما ينشد:

إذا جرح الكتاب كانت دويهم ... قسياً وأقلام الدوي لها نبلا وله رسائل بليغة.

وكان حاضراً مع مروان في جميع وقائعه عند آخر أمره، وقد سبق في أخبار أبي مسلم الخراساني طرف من ذلك. ويحكى أن مروان قال له حين أيقن بزوال ملكه: قد احتجت أن تصير مع عدوي وتظهر الغدر بي، فإن إعجابهم بأدبك وحاجتهم إلى كتابتك يحوجهم إلى حسن الظن بك، فإن استطعت أن تنفعني في حياتي، وإلا لم تعجز عن حفظ حرمي بعد وفاتي. فقال له عبد الحميد: إن الذي أشرت به علي أنفع الأمرين لك وأقبحهما بي، وما عندي إلا الصبر حتى يفتح الله تعالى أو أقتل معك؛ وأنشد:

أسر وفاء ثم أظهر غدرةً ... فمن لي بعذر يوسع الناس ظاهر ذكر ذلك أبو الحسن المسعودي في كتاب " مروج الذهب " (٢) .

ثم إن عبد الحميد قتل مع مروان، وكان قتل مروان يوم الاثنين ثالث عشر ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائة، بقرية يقال لها بوصير من أعمال الفيوم بالديار المصرية، رحمهما الله تعالى.


(١) ثمار القلوب: ١٩٧.
(٢) مروج الذهب ٣: ٢٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>