للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من السماء، فرفع رأسه فرأى سحابة سوداء من النحل قد هوت مطبقة على الدار، فنزلت كلها مجتمعة على عبد المؤمن وهو نائم، فغطته ولم يظهر من تحتها ولا استيقظ لها، فرأته أمه على تلك الحال فصاحت خوفاً على ولدها، فسكتها أبوه فقالت: أخاف عليه، فقال: لا بأس عليه، بل إني متعجب مما يدل عليه ذلك، ثم إنه غسل يديه من الطين ولبس ثيابه ووقف ينتظر ما يكون من أمر النحل، فطار عنه بأجمعه، فاستيقظ الصبي وما به من ألم، فتفقدت أمه جسده فلم تر به أثراً، ولم يشك إليها ألماً، وكان بالقرب منهم رجل معروف بالزجر، فمض أبوه إليه فأخبره ما رآه من النحل مع ولده، فقال الزاجر: يوشك أن يكون له شأن، يجتمع على طاعته أهل المغرب، فكان من أمره ما اشتهر.

ورأيت في بعض تواريخ المغرب (١) أن ابن تومرت كان قد ظفر بكتاب يقال له " الجفر " وفيه ما يكون على يده وقصة عبد المؤمن وحليته واسمه، وأن ابن تومرت أقام مدة يتطلبه حتى وجده وصحبه وهو إذ ذاك غلام، وكان يكرمه ويقدمه على أصحابه، وأفضى إليه بسره (٢) وانتهى به إلى مراكش وصاحبها يومئذ أبو الحسن علي بن يوسف بن تاشفين ملك الملثمين، وجرى له معه فصول يطول شرحها، وأخرجه منها فتوجه إلى الجبال وحشد واستمال المصامدة، وبالجملة فإنه لم يملك شيئاً من البلاد، بل عبد المؤمن ملك بعد وفاته بالجيوش التي جهزها ابن تومرت والترتيب الذي رتبه، وكان أبداً يتفرس فيه النجابة وينشد إذا أبصره:

تكاملت فيك أوصافٌ خصصت بها ... فكلنا بك مسرورٌ ومغتبط

السن ضاحكةٌ والكف مانحة ... والنفس واسعةٌ والوجه منبسط وهذان البيتان وجدتهما منسوبين إلى أبي الشيص الخزاعي الشاعر المشهور (٣) ،


(١) لي: تواريخ أهل المغرب.
(٢) ر: أمره.
(٣) وهذان ... المشهور: سقط من س ل لي م، وهو في المسودة.

<<  <  ج: ص:  >  >>