للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذاك إكمال وهذا جامعٌ ... وهما للناس شمسٌ وقمر فأشار بالإكمال إلى الغائب وبالجامع إلى الحاضر (١) . وكان الخليل قد أخذ عنه أيضاً.

ويقال: إن أبا الأسود الدؤلي لم يضع في النحو إلا باب الفاعل والمفعول فقط، وإن عيسى بن عمر وضع كتاباً على الأكثر وبوبه وهذبه وسمى ما شذ عن الأكثر لغات. وكان يطعن على العرب ويخطئ المشاهير منهم، مثل النابغة في بعض أشعاره وغيره، وروى الأصمعي قال (٢) : قال عيسى بن عمر لأبي عمرو بن العلاء: أنا أفصح من معد بن عدنان، فقال له أبو عمرو: لقد تعديت، فكيف تنشد هذا البيت:

قد كنا يخبأن الوجوه تستراً ... فاليوم حين بدأن للنظار (٣) أو " بدين للنظار " فقال عيسى: بدأن للنظار، فقال له أبو عمرو، أخطأت؛ يقال: بدا يبدو إذا ظهر، وبدا يبدأ إذا شرع في الشيء، والصواب " حين بدون للنظار ". وإنما قصد أبو عمرو تغليطه، لأنه لا يقال في هذا الموضع " بدأن " ولا " بدين " بل " بدون ".

ومن جملة تقعيره في الكلام ما حكاه الجوهري في كتاب " الصحاح " قال (٤) : سقط عيسى بن عمر عن حمار له، فاجتمع عليه الناس، فقال: ما لكم تكأكأتم علي تكأكؤكم على ذي جنة، افرنقعوا عني؛ معناه: ما لكم تجمعتم علي تجمعكم على مجنون، انكشفوا عني.

ورأيت في بعض المجاميع أنه كان به ضيق النفس، فأدركه يوماً وهو في السوق، فوقع ودار الناس حوله يقولون: مصروع مصروع، فبين قارئ ومعوذ من الجان، فلما أفاق من غشيته نظر إلى ازدحامهم فقال هذه المقالة، فقال بعض الحاضرين: إنه جنيه يتكلم (٥) بالهندية (٦) .


(١) قال القفطي: فأشار إلى الجامع بما يشار به إلى الحاضر، وهي لفظة " هذا ".
(٢) انظر مجالس العلماء: ١٤٤ وقد رويت القصة عن أبي عمر الجرمي والأصمعي.
(٣) البيت للربيع بن زياد العبسي.
(٤) الصحاح: ٦٦، ١٢٥٨.
(٥) لي ن: جنيته تتكلم.
(٦) ر: بالسريانية.

<<  <  ج: ص:  >  >>