للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا سفيان، وأيهم أمير المؤمنين فقلت: هذا، وأومأت إلى الرشيد، فقال له: يا حسن الوجه، أنت الذي أمر هذه الأمة في يدك وعنقك لقد تقلدت أمرا عظيما، فبكى الرشيد، ثم أتي كل رجل منا ببدرة، فكل قبلها إلا الفضيل، فقال الرشيد: يا أبا علي إن لم تستحل أخذها فأعطها ذا دين أو أشبع بها جائعا أو اكس بها عاريا (١) فاستعفاه منها، فلما خرجنا قلت: يا أبا علي، أخطأت، ألا أخذتها وصرفتها في أبواب البر فأخذ بلحيتي ثم قال: يا أبا محمد، أنت فقيه البلد والمنظور إليه وتغلط مثل هذا الغلط (٢) لو طابت لأولئك لطابت لي.

ويحكى أن الرشيد قال له يوما (٣) : ما أزهدك! فقال الفضيل: أنت أزهد مني، قال: وكيف ذلك قال: لأني أزهد في الدنيا، وأنت تزهد في الآخرة، والدنيا فانية والآخرة باقية.

وذكر الزمخشري في كتاب ربيع الأبرار في آخر باب الطعام أن الفضيل قال يوما لأصحابه: ما تقولون في رجل في كمه ثمر يقعد على رأس الكنيف فيطرحه فيه ثمرة ثمرة قالوا: هو مجنون، قال: فالذي يطرحه في بطنه حتى يحشوه فهو أجن منه، فإن هذا الكنيف يملأ من هذا الكنيف.

ومن كلام الفضيل: إذا أحب الله عبدا أكثر غمه، وإذا أبغض عبدا وسع عليه دنياه. وقال: لو أن الدنيا بحذافيرها عرضت علي على أن لا أحاسب عليها لكنت أتقذرها كما يتقذر أحدكم الجيفة إذا مر بها أن تصيب ثوبه. وقال: ترك العمل لأجل الناس هو الرياء، والعمل لأجل الناس هو الشرك (٤) . وقال: إني لأعصى الله تعالى فأعرف ذلك في خلق حماري وخادمي. وقال: لو كانت لي دعوة مستجابة لم أجعلها إلا في إمام، لأنه إذا صلح الإمام أمن البلاد والعباد. وقال: لأن يلاطف الرجل أهل مجلسه ويحسن خلقه معهم خير له من قيام ليله وصيام نهاره.


(١) ر لي: جيعاناً ... عرياناً.
(٢) لي: هذه الغلطة.
(٣) البصائر والذخائر ٤: ١٨٨.
(٤) زاد في ن: وافخلاص أن يعافيك منهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>