للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكان المأمون يكرم جانبه ويبالغ في رعايته، وكتب إليه مرة يشكو ضائقة لحقته وركبه بسببها دين، وعين مقداره في قصته، فوقع المأمون فيها بخطه: فيك خلتان سخاء وحياء، فالسخاء أطلق يديك بتبذي ماملكت، والحياء حملك أن ذكرت لنا بعض دينك، وقد أمرنا لك بضعف ما سألت، وإن كن قصرنا عن بلوغ حاجتك فبجنايتك على نفسك، وإن كنا بلغنا بغيتك فزد في بسطة يدك، فإن خزائن الله مفتوحة ويده بالخير مبسوطة، وأنت حدثتني حين كنت على قضاء الرشيد أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال للزبير: يا زبير إن مفاتيح الرزق بإزاء العرش، ينزل الله سبحانه للعباد أرزاقهم على قدر نفقاتهم، فمن كثر كثر له، ومن قلل قلل عليه، قال الواقدي وكنت نسيت الحديث، فكانت مذكراته إياي أعجب إلي من صلته.

وروى عنه بشر الحافي - المقدم ذكره (١) - رضي الله عنه، حكاية واحدة، وهي أنه سمعه يقول: ما يكتب للحمى، يؤخذ [ثلاث] (٢) ورقات زيتون تكتب يوم السبت وأنت على طهارة على واحدة منهاجهنم غرثيوعلى الأخرى جهنم عطشى وعلى الأخرى جهنم مقرورة ثم تجعل في خرقة وتشد على عضد المحموم الأيسر، قال الواقدي المذكور جربته فوجدته نافعا، هكذا نقل هذه الحكاية أبو الفرج ابن الجوزي في كتابه الذي وضعه في أخبار بشر الحافي.

وروى المسعودي في كتاب " مروج الذهب " أن الواقدي المذكور قال: كان لي صديقان أحدهما هاشمي، وكنا كنفس واحدة، فنالتني ضائقة شديدة، وحضر العيد فقالت امرأتي: أما نحن في أنفسنا فنصبر على البؤس والشدة، وأما صبياننا هؤلاء فقد قطعوا قلبي رحمة لهم، لأنهم يرون صبيان الجيران قد تزينوا في عيدهم وأصلحوا ثيابهم وهم على هذه الحال من الثياب الرثة، فلو احتلت في شيء تصرفه في كسوتهم، قال: فكتبت إلى صديق لي وهو الهاشمي أسأله التوسعة علي بما حضر، فوجه إلي كيسا مختوما ذكر أن فيه ألف درهم،


(١) ترجمة بشر في ج ١: ٢٧٤.
(٢) زيادة من ن.

<<  <  ج: ص:  >  >>