للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الذي فتح هذا الباب فجاء من بعده ابن القطاع وتبعه - كما سبق في ترجمته (١) - وله كتاب المقصور والممدود جمع فيه مالا يحد ولا يوصف، ولقد أعجز من يأتي (٢) بعده وفاق من تقدمه.

وكان أبو علي القالي لما دخل الأندلس اجتمع به، وكان يبالغ في تعظيمه حتى قال له الحكم بن الناصر لدين الله عبد الرحمن صاحب الأندلس يومئذ: من أنبل من رأيته ببلدنا هذا في اللغة فقال: محمد ابن القوطية، وكان مع هذه الفضائل من العباد النساك، وكان جيد الشعر صحيح الألفاظ واضح المعاني حسن المطالع والمقاطع، إلا أنه ترك ذلك ورفضه.

حكى الأديب الشاعر أبو بكر يحيى بن هذيل التميمي (٣) أنه توجه يوما إلى ضيعة له بسفح جبل قرطبة، وهي من بقاع الأرض الطيبة المونقة، فصادف أبا بكر ابن القوطية المذكور صادرا عنها، وكانت له أيضا هناك ضيعة، قال فلما رآني عرج علي واستبشر بلقائي، فقلت له على البديهة مداعبا له:

من أين أقبلت يا من لا شبيه له ... ومن هو الشمس والدنيا له فلك قال: فتبسم وأجاب بسرعة:

من منزل يعجب النساك خلوته ... وفيه ستر على الفتاك إن فتكوا قال: فما تمالكت أن قبلت يده إذ كان شيخي، ومجدته ودعوت له.

وتوفي أبو بكر المذكور يوم الثلاثاء لسبع بقين من شهر ربيع الأول سنة سبع وستين وثلثمائة بمدينة قرطبة، ودفن يوم الأربعاء وقت صلاة العصر بمقبرة قريش رحمه الله تعالى، وقيل إنه توفي في رجب من السنة المذكورة، والأول أصح.

والقوطية: بضم القاف وسكون الواو وكسر الطاء المهملة وتشديد الياء المثناة


(١) الترجمة رقم: ٤٤٧.
(٢) ق: أتى.
(٣) ترجمة ابن هذيل في الجذوة: ٣٥٨ وابن الفرضي ٢: ١٩٣ ونكت الهميان: ٣٠٧ وله شعر في اليتيمة وكتاب التشبيهات والمسالك.

<<  <  ج: ص:  >  >>