للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فحاربه ابن عمه منذر بن يحيى التجيبي، فاستظهر عليه وعجز عن دفعه لكثرة رجاله، وترك مدينة وشقة، وفر بنفسه ولم يبق له بالبلد علقة، وكان صاحب رأي ودهاء ولسان وعارضة لم يكن في أصحاب السيوف من يعدله في هذه الخلال في ذلك العصر.

(٢٠٨) وكان ولده معن والد المعتصم مصاهراً لعبد العزيز بن أبي عامر صاحب بلنسية، فلما قتل زهير مولى أبيه - وكان صاحب المرية - وثب عبد العزيز على المرية فملكها لكونها كانت لمولاهم، فحسده على ذلك مجاهد بن عبد الله العامري المكني أبا الجيش صاحب دانية، فخرج قاصداً بلاد عبد العزيز وهو بالمرية مشتغل في تركة زهير، فلما سمع بخروج مجاهد خرج من المرية مبادراً لاستصلاحه واستخلف بها صهره ووزيره معن بن صمادح والد المعتصم فخانه في الأمانة وغدر به، وطرده عن الإمارة، فلم يبق في ملوك الطوائف بالأندلس أحد إلا ذمه على هذه الفعلة، إلا أنه تم له الأمر واستتب.

فلما مات انتقل الملك إلى ولده المعتصم وتسمى بأسماء الخلفاء، وكان رحب الفناء، جزل (١) العطاء، حليماً عن الدماء، طافت به الآمال، واتسع في مدحه المقال، وأعملت إلى حضرته الرحال، ولزمه جماعة من فحول الشعراء، كأبي عبد الله بن الحداد وغيره، وله أشعار حسنة، فمن ذلك ما كتبه إلى أبي بكر ابن عمار الأندلسي - المقدم ذكر - يعاتبه:

وزهدني في الناس معرفتي بهم ... وطول اختباري صاحباً بعد صاحب

فلم ترني الأيام خلاً تسرني ... بواديه إلا ساءني في العواقب

ولا صرت أرجوه لدفع ملمة ... من الدهر إلا كان إحدى النوائب فكتب إليه ابن عمار جوابها، وهي أبيات كثيرة فلا حاجة إلى ذكرها.

ومن شعره أيضاً:

يا من بجسمي لبعده سقم ... ما منه غير الدنو يبريني


(١) جزلا في.

<<  <  ج: ص:  >  >>