للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دأبه في الترسل حل المنظوم، ويعتمد عليه في هذه الصناعة.

ولما كملت لضياء الدين المذكور الأدوات قصد جناب الملك الناصر صلاح الدين، تغمده الله برحمته، في شهر ربيع الأول سنة سبع وثمانين وخمسمائة، فوصله القاضي الفاضل لخدمة صلاح الدين في جمادى الآخرة من السنة، وأقام عنده إلى شوال من السنة، ثم طلبه ولده الملك الأفضل نور الدين من والده، فخيره صلاح الدين بين الإقامة (١) في خدمته، والانتقال إلى ولده ويبقى المعلوم الذي قرره له باقياً عليه، فاختار ولده، فمضى إليه، وكان يومئذ شاباً، فاستوزره ولده الملك الأفضل نور الدين على - المقدم ذكره - رحمه الله تعالى، وحسنت حاله عنده.

ولما توفي السلطان صلاح الدين، واستقل ولده الملك الأفضل بمملكة دمشق، استقل ضياء الدين المذكور بالوزارة وردت أمور الناس إليه، وصار الاعتماد في جميع الأحوال عليه، ولما أخذت دمشق من الملك الأفضل وانتقل إلى صرخد - حسبما شرحناه في ترجمته - وكان ضياء الدين قد أساء العشرة مع أهلها، وهموا بقتله، فأخرجه الحاجب محاسن بن عجم مستخفياً في صندوق مقفل عليه، ثم صار إليه (٢) ، وصحبه إلى مصر لما استدعي لنيابة ابن أخيه الملك المنصور - قد تقدم ذكر ذلك كله في ترجمة الملك الأفضل فأغنى عن الإعادة.

ولما قصد الملك العادل الديار المصرية، وأخذها من ابن أخيه - كما ذكرناه هناك - وتعوض الملك الأفضل البلاد الشرقية، وخرج من مصر، لم يخرج ضياء الدين في خدمته، لأنه خاف على نفسه من جماعة كانوا يقصدونه، فخرج منها


(١) ر: المقام؛ ق: بين خدمته والإقامة عنده.
(٢) علق ابن المؤلف هنا بقوله: " قلت أعني كاتبها موسى بن أحمد لطف الله به: سمعت والدي رحمه الله تعالى يحكي أن الملك العادل لما تسلم قلعة دمشق من ابن أخيه الأفضل تطلب ضياء الدين كثيراص فلم يظفر به، فلما حصل الشروع في نقل متاع الأفضل وماله من القلعة قال العادل: ما آمن أن يكون المذكور في بعض الصناديق مستخفياً، فخرج بنفسه وجلس بدركاه القلعة على صندوق من متاع الأفضل وأمر أن يفتح بين يديه كل صندوق يريدون إخراجه ففعل ذلك، واتفق جلوسه على الصندوق الذي فيه المذكور فلما تكامل نقلهم الصناديق قام العادل مغضباً لكونه ما ظفر به وغفل عن الصندوق الذي كان جالساً عليه وهذا من غريب الاتفاق ".

<<  <  ج: ص:  >  >>