للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سماعه فيها فأثبت فيها عن زياد، وسمع بمكة من سفيان بن عيينة، وبمصر من الليث بن سعد وعبد الله بن وهب وعبد الرحمن بن القاسم، وتفقه بالمدنيين والمصريين من أكابر أصحاب مالك بعد انتفاعه بمالك وملازمته له، وكان مال يسميه عاقل الأندلس، وسبب ذلك فيما يروى (١) أنه كان في مجلس مالك مع جماعة من أصحابه، فقال قائل قد حضر الفيل، فخرج أصحاب مالك كلهم لينظروا إليه، ولم يخرج يحيى، فقال له مالك: مالك لا تخرج فتراه لأنه لا يكون بالأندلس فقال: إنما جئت من بلدي لنظر إليك وأتعلم من هديك وعلمك، ولم أجئ لأنظر إلى الفيل، فأعجب به مالك وسماه عاقل أهل (٢) الأندلس.

ثم إن يحيى عاد إلى الأندلس وانتهت إليه الرياسة بها، وبه انتشر مذهب مالك في تلك البلاد، وتفقه به جماعة لا يحصون عدداً وروى عنه خلق كثير، وأشهر روايات " الموطأ " وأحسنها رواية يحيى المذكور، وكان مع إمامته ودينه معظماً عند المراء مكيناً، عفيفاً عن الولايات متنزهاً، جلت رتبته عن القضاء، فكان أعلى قدراً من القضاة عند ولاة الأمر هناك لزهده في القضاء وامتناعه منه.

قال أبو محمد علي بن أحمد المعروف بابن حزم الأندلسي - المقدم ذكره (٣) -: مذهبان انتشرا في مبدأ أمرهما بالرياسة والسلطان: مذهب أبي حنيفة، فإنه لما ولي قضاء القضاة أبو يوسف يعقوب صاحب أبي حنتفة - وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى - كانت القضاة من قبله، فكان لا يولي قضاء البلدان من أقصى المشرق إلى أقصى إفريقية إلا أصحابه والمنتمين إليه وإلى مذهبه، ومذهب مالك بن أنس عندنا في بلاد الأندلس، فإن يحيى بن يحيى كان مكيناً عند السلطان مقبول القول في القضاة، فكان لا يلي قاض في أقطار بلاد الأندلس إلا بمشورته واختياره، ولا يشير إلا بأصحابه ومن كان على مذهبه، والناس سراع إلى


(١) ع ق بر من: روي.
(٢) هل: سقطت من ر.
(٣) انظر ج ٢: ٣٢٥ وقد نقل صاحب النفح هذا النص، كما نقل كثيراً من هذه الترجمة عن ابن خلكان.

<<  <  ج: ص:  >  >>