للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأغيد غضٍ زاد خط عذاره ... لعاشقه في همه والبلابل

تموج بحار الحسن في وجناته ... فتقذف منها عنبراً في السواحل

وتجري بخديه الشبيبة ماءها ... فتنبت ريحاناً جنوب الجداول قلت: وقد خطر لي على هذا مأخذ وهو أنه جعل البيت الثاني بحار الحسن تموج في وجناته، فكيف يقول في البيت الثالث " وتجري بخديه الشبيبة ماءها " وما مقدار ماء الشبيبة بالنسبة إلى بحار الحسن وما كفى هذا حتى جعلها جداول، والجداول والنهار، وأين النهار من البحار ثم إنه في البيت الثاني قد شبه العذار بالعنبر، فكيف يجعله في البيت الثالث ريحاناً وأين العنبر من الريحان وإن كان كل واحد من العنبر والريحان قد جرت عادة الشعراء أن يشبهوا به العذار، ولكن في مقطوع واحد من الشعر ما لهم عادة يجمعون بينهما.

وكنت قد سمعت في زمن الاشتغال بالأدب بيتين استحسنتهما ولم أعرف قائلهما، وهما:

يا عاذلي في حب ذي عارضٍ ... ما البلد المخصب كالماحل

يموج بحر الحسن في خده ... فيقذف العنبر في الساحل فلما كان في أوائل سنة اثنتين وسبعين وستمائة وقفت بالقاهرة المحروسة على مجلد من كتاب " السيل والذيل " تأليف عماد الدين الكاتب الأصبهاني، وقد جعله ذيلاً على كتابه " خريدة القصر "، فرأيت فيه ترجمة يحيى بن نزار المنبجي المذكور، وقد ذكر له مقدار عشرة أبيات يمدح فيها السلطان نور الدين محمود بن الزنكي رحمه الله تعالى، وفي جملة الأبيات البيت الثاني من هذين البيتين، فعلمت أن الذي نظم ذلك المعنى في البيت الثاني من الثلاثة هو الذي نظم هذين البيتين في هذه الأبيات التي ذكرها في كتاب " السيل ". ثم بعد ذلك بقليل جاءني صاحبنا جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن أحمد المعروف بالحافظ اليغموري (١)


(١) ترجمة الحافظ اليغموري في الزركشي ٣ الورقة: ٣٦٥ والبدر السافر، الورقة ٢٣٧؛ سمي اليغموري لأنه صحب الأمير ابن يغمور ولازمه، كان فاضلاً أديباً جمع مجاميع كثيرة مفيدة وعمل تاريخاً، ولد بدمشق سنة ستمائة تقريباً وتوفي بالمحلة سنة ٦٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>