للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكريم فامتنع من الإجابة إلى ذلك، فحبس ببغداد، ولم يزل في السجن والقيد حتى مات، وكان صالحاً متنسكاً عابداً زاهداً.

قال الربيع بن سليمان: رأيت البويطي على بغل، في عنقه غل وفي رجليه قيد، وبين الغل والقيد سلسلة من حديد فيها طوبة وزنها أربعون رطلاً، وهو يقول: إنما خلق الله سبحانه الخلق بِكُنْ، فإذا كانت كن مخلوقة فكأن مخلوقاً خلق مخلوقاً، فوالله لأموتن في حديدي حتى يأتي من بعدي قوم يعلمون أنه مات في هذا الشأن قوم في حديدهم، ولئن أدخلت عليه لأصدقنه يعني الواثق.

وقال أبو عمر ابن عبد البر الحافظ في كتاب " الانتقاء في فضائل الثلاثة الفقهاء (١) ": إن ابن أبي الليث الحنيفي قاضي مصر كان يحسده ويعاديه، فأخرجه في وقت المحنة في القرآن العظيم فيمن أخرج من مصر إلى بغداد، ولم يُخرج من أصحاب الشافعي غيره، وحمل إلى بغداد وحبس، فلم يجب إلى ما دعي إليه في القرآن، وقال: هو كلام الله غير مخلوق، وحبس ومات في السجن.

وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في كتاب " طبقات الفقهاء " (٢) : كان أبو يعقوب البويطي إذا سمع المؤذن وهو في السجن يوم الجمعة اغتسل ولبس ثيابه ومشى حتى يبلغ باب السجن، فيقول له السجان: أين تريد فيقول: أجيب داعي الله، فيقول: ارجع عافاك الله، فيقول أبو يعقوب: اللهم إنك تعلم أني قد أجبت داعيك فمنعوني.

وقال أبو الوليد ابن أبي الجارود (٣) : كان البويطي جاري فما كنت أنتبه ساعة من الليل إلا سمعته يقرأ ويصلي.

وقال الربيع: كان أبو يعقوب أبداً يحرك شفتيه بذكر الله تعالى، وما


(١) الانتقاء: ١٠٩.
(٢) طبقات الفقهاء: ٩٨.
(٣) تاريخ بغداد: ٣٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>