للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من ميله إلى الأدب وبقية العلوم، وكان جمّاعاً مناعاً ضابطاً لخراج مملكته عارفاً بسياسة رعيته، وكان ربما يحضر حتى لا يكاد يغيب ويغيب حتى لا يكاد يحضر، وله في غيبته نواب وخلفاء وحكام قد فوض الأمور إليهم لما علم من صلاحهم لذلك، والدنانير اليوسفية المغربية منسوبة إليه.

فلما مهدت له الأمور واستقرت قواعد ملكه، دخل إلى جزيرة الأندلس لكشف مصالح دولته وتفقد أحوالها. وكان ذلك في سنة ست وستين وخمسمائة وفي صحبته مائة ألف فارس من العرب والموحدين، فنزل باشبيلية.

(٣٨٦) فخافه الأمير أبو عبد الله محمد بن سعد بن محمد بن سعد المعروف بابن مردنيش صاحب شرق الأندلس: مرسية وما انضاف إليها، وحمل على قلبه فمرض مرضاً شديداً ومات، وقيل إن أمه سقته السم، لأنه كان قد أساء العشرة مع أهله وخواصه وكبراء دولته، فنصحته وأغلظت عليه في القول فتهددها وخافت بطشه، فعملت عليه فقتلته بالسم. وكان موته في التاسع والعشرين من رجب سنة سبع وستين وخمسمائة باشبيلية، ومولده في سنة ثماني عشرة وخمسمائة في قلعة أعمال من طرطوشة يقال لها بنشكله، وهي من الحصون المنيعة. ولما مات محمد بن سعد جاء أولاده، وقيل إخوته، إلى الأمير يوسف ابن عبد المؤمن وهو باشبيلية فسلموا إليه جميع بلاد شرق الأندلس التي كانت لأبيهم وقيل لأخيهم، فأحسن إليهم الأمير يوسف وتزوج أختهم، وأصبحوا عنده في أعز مكان.

ثم إن الأمير يوسف شرع في استرجاع بلاد المسلمين من أيدي الفرنج، وكانوا قد استولوا عليها، فاتسعت مملكته بالأندلس وصارت سراياه تصل مغيرة إلى باب طليطلة، وهي كرسي بلادهم وأعظم قواعدهم. ثم إنه حاصرها، فاجتمع الفرنج كافة عليه واشتد الغلاء في عسكره، فرجع عنها وعاد إلى مراكش.

وفي سنة خمس وسبعين قصد بلاد إفريقية وفتح مدينة قفصة، ثم دخل جزيرة الأندلس في سنة ثمانين ومعه جمع كثيف، وقصد غربي بلادها

<<  <  ج: ص:  >  >>