للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وحملها كلها على محامل حسنة، وأولها، وقال: هذا من فرط المحبة وشدة الوجد، وجعل هذا مثل قول القائل (١) :

أنا من أهوى ومن أهوى أنا ... نحن روحان حللنا بدنا

فإذا أبصرتني أبصرته ... وإذا أبصرته أبصرتنا [وكان ابتداء حاله على ما ذكره عز الدين ابن الأثير في تاريخه أنه كان يظهر الزهد والتصوف والكرامات ويخرج للناس فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء ويمد يده إلى الهواء ويعيدها مملوءة دراهم عليها مكتوب: قل هو الله أحد، ويسميها دراهم القدرة، ويخبر الناس بما يأكلون وما يصنعون في بيوتهم، ويتكلم بما في ضمائر الناس، فافتتن به خلق كثير واعتقدوا فيه الحلول؛ وبالجملة فإن الناس اختلفوا فيه اختلافهم في المسيح عليه السلام، فمن قائل إنه حل فيه جزء إلهي ويدعي فيه الربوبية، ومن قائل إنه ولي الله تعالى وأن الذي يظهر منه من جملة كرامات الصالحين، ومن قائل أنه ممخرق ومستغش وشاعر كذاب ومتكهن والجن تطيعه فتأتيه بالفاكهة بغير أوانها.

وكان قدم من خراسان إلى العراق وسار إلى مكة فأقام بها سنة في الحجر لا يستظل تحت سقف شتاء ولا صيفاً، وكان يصوم الدهر فإذا جاء العشاء أحضر له الخادم كوز ماء وقرصاً فيشربه ويعض من القرص ثلاث عضات من جوانبه ويترك الباقي ولا يأكل شيئاً آخر النهار. وكان شيخ الصوفية بمكة عبد الله المغربي يأخذ أصحابه إلى زيارة الحلاج فلم يجده في الحجر وقيل قد صعد إلى جبل أبي قبيس، فصعد إليه فرآه على صخرة حافياً مكشوف الرأس والعرق يجري منه إلى الأرض، فاخذ أصحابه وعاد ولم يكلمه وقال: هذا يتصبر ويتقوى على قضاء الله وسوف يبتليه الله بما يعجز عنه صبره وقدرته؛ وعاد الحسين إلى بغداد. انتهى كلام ابن الأثير] (٢) .


(١) ديوان الحلاج: ٩٣.
(٢) زيادة من النسخة أ (قارن ابن الأثير ٨: ١٢٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>