للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال حمزة بن الحسن الأصبهاني (١) في حق الخليل بن أحمد في كتابه الذي سماه " التنبيه على حدوث التصحيف ": " وبعد، فإن دولة الإسلام لم تخرج أبدع للعلوم التي يكن لها عند علماء العرب أصول من الخليل، وليس على ذلك برهان أوضح من علم العروض الذي لا عن حكيم أخذه، ولا على مثال تقدمه احتذاه، وإنما اخترعه من ممر له بالصفارين (٢) من وقع مطرقة على طست ليس فيهما حجة ولا بيان يؤديان إلى غير حليتهما أو يفيدان غير جوهرهما، فلو كانت أيامه قديمة ورسومه بعيدة لشك فيه بعض الأمم لصنعته ما لم يصنعه أحد منذ خلق الدنيا من اختراعه العلم الذي قدمت ذكره، ومن تأسيسه بناء كتاب " العين " الذي يحصر لغة أمة من الأمم قاطبة، ثم من إمداده سيبويه من علم النحو بما صنف منه كتابه الذي هو زينة لدولة الإسلام، انتهى كلامه.

وكان الخليل رجلاً صالحاً عاقلاً (٣) حليماً وقوراً، ومن كلامه: لا يعلم الإنسان خطأ معلمه حتى يجالس غيره. وقال تلميذه النضر بن شميل: أقام الخليل في خص من أخصاص البصرة لا يقدر على فلسين، واصحابه يكسبون (٤) بعلمه الأموال، ولقد سمعته يوماً يقول: إني لأغلق علي بابي فما يجاوزه همي. وكان يقول: أكمل ما يكون الإنسان عقلاً وذهناً إذا بلغ أربعين سنة، وهي السن التي بعث الله تعالى فيها محمداً صلى الله عليه وسلم، ثم يتغير وينقص إذا بلغ ثلاثاً وستين سنة، وهي السن التي قبض فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصفى ما يكون ذهن الإنسان في وقت السحر.

وكان له راتب على سليمان بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة الأزدي وكان والي فارس والأهواز، فكتب إليه يستدعيه، فكتب الخليل جوابه:


(١) كل المنقول عن حمزة لم يرد في م ومسودة المؤلف ونسختي س ص؛ وانظر التنبيه: ١٢٤.
(٢) أ: من ممر له عن الصفائري.
(٣) م ج: عالماً؛ أ: عاملاً.
(٤) د: يكتسبون.

<<  <  ج: ص:  >  >>