للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الكرباس، فدليت رجلي على أن أعمل فأخذت بيدي آلته وكأني كنت أعمل من سنين. فبقيت معه أشهراً أنسج له، فقمت ليلة إلى صلاة الغداة فسجدت وقلت في سجودي: إلهي لا أعود إلى ما فعلت، فأصبحت وإذا الشبه ذهب عني، وعدت إلى صورتي التي كنت عليها، فأطلقت، وثبت علي هذا الاسم؛ وفي بعض الروايات: كان يقول: يا خير، فيقول: لبيك، ثم قال له الرجل بعد ذلك: لا أنت عبدي، ولا اسمك خير، فمضى وقال: لا أغير اسماً سماني به رجل مسلم.

وكان يقول: لا نسب أشرف من نسب من خلقه الله بيده فلم يعصمه، ولا أعلم أرفع ممن علمه الله الأسماء كلها فلم ينفعه في وقت جريان القضاء عليه.

وكان خير قد احد ودب، وكان إذا سمع قام ظهره ورجعت قوته كالشاب المطلق، فإذا غاب عن الوجود عاد إلى حاله.

وكان قد عمر مائة وعشرين سنة؛ وكان يذكر أن إبراهيم الخواص صحبه.

وحكى علي بن هارون الحربي (١) عن غير واحد ممن حضر موته من أصحابه أنه غشي عليه عند صلاة المغرب، ثم افاق، ونظر إلى ناحية من باب البيت، وقال: قف، عافاك الله، فإنما أنت عبد مأمور، وأنا عبد مأمور ما أمرت به لا يفوتك وما أمرت به يفوتني، فدعني أمضي لما أمرت به، ثم امض أنت لما أمرت به، ودعا بماء فتوضأ للصلاة وصلى وتمدد وأغمض عينيه وتشهد، ثم مات، رحمه الله تعالى. فرآه بعض أصحابه في النوم، فقال: ما فعل الله بك فقال: لا تسلني عن هذا، ولكن استرحت من دنياكم المضرة. وكانت وفاته في سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة، رحمه الله تعالى.


(١) حلية الأولياء: ٣٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>