للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أوحد عصره في فنون الآداب وعلو السماع، وشهرته تغني عن الاطناب في وصفه، وكان قد لقي جلة المشايخ وأخذ عنهم، منهم الشريف أبو السعادات ابن الشجري وأبو محمد ابن الخشاب وابو منصور الجواليقي، وسافر عن بغداد في شبابه، وآخر عهده بها في سنة ثلاث وستين وخمسمائة (١) ، واستوطنت حلب حدة، وكان يبتاع الخيلع (٢) ويسافر به إلى بلاد الروم ويعود إليها. ثم انتقل إلى دمشق، وصحب الأمير عز الدين فروخ شاه بن شاهان شاه، وهو ابن أخي السلطان صلاح الدين، واختص به وتقدم عنده وسافر في صحبته إلى الديار المصرية واقتنى من كتب خزائنها كل نفيس، وعاد إلى دمشق واستوطنها، وقصده الناس وأخذوا عنه، وله كتاب مشيخه على حروف المعجم.

أخبرني أحد أصحابه أنه قال: كنت قاعداً على باب أبي محمد عبد الله بن الخشاب النحوي ببغداد، وقد خرج من عند أبو القاسم الزمخشري الإمام المشهور، وهو يمشي في جاون خشب فإن إحدى رجليه كانت قد سقطت من الثلج، ثال: والناس يقولون: هذا الزمخشري. ونقل من خطه: كان الزمخشري أعلم فضلاء العجم بالعربية في زمانه، وأكثرهم أنساً واطلاعاً على كتبها، وبه ختم فضلاؤهم، وكان متحققاً بالاعتزال، قدم علينا بغداد سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة، ورأيته عند شيخنا أبي منصور الجواليقي، رحمه الله تعالى، مرتين قارئاً عليه بعض كتب اللغة من فواتحها ومستجيزاً لها، لأنه لم يكن له على ما عنده من العلم عفا الله عنه وعنا.

وأخبرني الشيخ مهذب الدين أبو الطالب محمد المعروف بابن الخيمي بالقاهرة المحروسة قال: كتب إلي الشيخ الدين الكندي من دمشق من جملة أبيات:

أيها الصاحب المحافظ قد حم ... لتنا من وفاء عهدك دينا


(١) د: ٥٧٣.
(٢) س: الخليق.

<<  <  ج: ص:  >  >>