للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[قال عبد الله بن شاكر، قال سري: صليت وردي ليلة، ومددت رجلي في المحراب فنوديت: يا سري، هكذا تجالس الملوك قال: فضممت رجلي، ثم قلت: وعزتك لا مددت رجلي أبداً. قال الجنيد: أتت عليه ثمان وتسعون سنة ما رئي مضطجعاً إلا في علة الموت.

ويحكى عن الجنيد أنه قال: سألني السري يوماً عن المحبة، فقلت: قال قوم: هي الموافقة، وقال قوم: هي الإيثار، وقال قوم: كذا وكذا، فأخذ السري جلدة ذراعه ومدها فلم تمتد، ثم قال: وعزته لو قلت إن هذه الجلدة يبست على هذا العظم من محته لصدقت.

قال الجنيد: وسمعته يقول: أريد أن آكل أكلة ليس لله علي فيها تبعة ولا لمخلوق فيها منة فلم أجد، فأتاني حي الجرجاني فدق علي باب الغرفة فخرجت إليه فقال لي: يا سري، ملحك مدقوق فقلت: نعم، قال: لا تفلح، ثم قال: لولا أن الله عز وجل عقم الآذان عن فهم القرآن ما زرع الزارع، ولا تجر التاجر، ولا تلاه الناس في الطرقات، ثم مضى فأتعبني وأبكاني.

وحكى الجنيد أيضاً عن سري قال: كنت في طلب صديق ثلاثين سنة، فلم أظفر به، فمررت في بعض الجبال بأقوام مرضى وزمنى وعمي وبكم، فسألتهم عن مقامهم في ذلك الموضع، فقالوا: في هذا الكهف رجل يمسح بيده عليهم فيبرءون بإذن الله تعالى وبركة دعائه، فوقفت أنتظر معهم، فخرج شيخ عليه جبة صوف، فلمسهم ودعا لهم، فكانوا يبرءون من عللهم بمشيئة الله عز وجل، قال: فأخذت بذيله، فقال: خل عني يا سري لا يراك تأنس بغيره فتسقط من عينه] (١) .

[قال سري: المتصوف اسم لثلاثة معان، وهو الذي لا يطفئ نور معرفته نور ورعه، ولا يتكلم بباطن في علم ينقضه عليه ظاهر الكتاب، ولا تحمله الكرامات على هتك محارم الله تعالى] (٢) .


(١) ما بين معقفين زيادة من ص، وهذه القصة الأخيرة نفسها وردت في زيادات د في ترجمة بشر الحافي منسوبة له؛ انظر الجزء الأول: ٢٧٥ - ٢٧٦.
(٢) لم يرد هذا النص في المخطوطات.

<<  <  ج: ص:  >  >>