للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شقي أحب إلي من ذلك؛ وقال خصيف: كان من أعلم التابعين بالطلاق سعيد بن المسيب، وبالحج عطاء، وبالحلال والحرام طاوس، وبالتفسير أبو الحجاج مجاهد بن جبر، وأجمعهم لذلك كله سعيد بن جبير.

وكان سعيد في أول أمره كاتباً لعبد الله بن عتبة بن مسعود، ثم كتب لأبي بردة بن أبي موسى الأشعري.

وذكره أبو نعيم الأصبهاني في " تاريخ أصبهان " فقال (١) : دخل أصبهان وأقام بها مدة، ثم ارتحل منها إلى العراق وسكن قرية سنبلان.

وروى محمد بن حبيب أن سعيد بن جبير كان بأصبهان يسألونه عن الحديث فلا يحدث، فلما رجع إلى الكوفة حدث، فقيل له: يا أبا محمد، كنت بأصبهان لا تحدث وأنت بالكوفة تحدث، فقال: انشر بزك حيث يعرف] .

وكان مع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس لما خرج على عبد الملك بن مروان، فلما قتل عبد الرحمن وانهزم أصحابه من دير الجماجم هرب فلحق بمكة، وكان واليها يومئذ خالد بن عبد الله القسري، فأخذه وبعث به إلى الحجاج بن يوسف الثقفي مع إسماعيل بن أوسط البجلي، فقال له الحجاج (٢) :


(١) انظر تاريخ أصبهان ١: ٣٢٤.
(٢) ورد في المطبوعة النص التالي عند هذا الموضع ولم يرد في المخطوطات التي اعتمدناها: فقال له الحجاج: ما أسمك قال: سعيد بن جبير، قال: بل أنت شقي بن كسير، قال: بل كانت أمي أعلم باسمي منك، قال: شقيت أمك وشقيت أنت، قال: الغيب يعلمه غيرك، قال: لأبدلنك بالدنيا ناراص تلظى، قال: لو علمت أن ذلك بيدك لاتخذتك إلهاً، قال: فما قولك في محمد قال: نبي الرحمة وإمام الهدى، قال: فما قولك في علي أهو في الجنة أم في هو في النار قال: لو دخلتها وعرفت من فيها عرفت أهلها، قال: فما قولك في الخلفاء قال: لست عليهم بوكيل، قال: فايهم إليك قال: أرضاهم لخالقي، قال: فأيهم أرضى للخالق قال: علم ذلك عند الذي يعلم سرهم ونجواهم، قال: أحب أن تصدقني، قال: إن لم أحبك لن أكذبك، قال: فما بالك لم تضحك قال: وكيف يضحك مخلوق خلق من طين والطين تأكله النار قال: فما بالنا نضحك قال: لم تستو القلوب. ثم أمر الحجاج بالؤلؤ والزبرجد والياقوت فجمعه بين يديه، فقال سعيد: إن كنت جمعت هذا لتتقي به فزع يوم القيامة فصالح، وإلا ففزعة واحدة تذهل كل مرضعة عما أرضعت، ولا خير في شيء جمع لدنيا إلا ما طاب وزكا، ثم دعا الحجاج بالعود والناي، فلما ضرب بالعود ونفخ في الناي بكى سعيد، فقال: ما يبكيك هو اللعب، قال سعيد: هو الحزن، أما النفخ فذكرني يوماً عظيماً يوم النفخ في الصور، وأما العود فشجرة قطعت في غير حق، وأما الأوتار فمن الشاء تبعث معها يوم القيامة، قال الحجاج: ويلك يا سعيد! قال: لا ويل لمن زحزح عن النار وأدخل الجنة، قال الحجاج: اختر يا سعيد أي قتلة أقتلك، قال: اختر لنفسك يا حجاج، فوالله لا تقتلني قتلة إلا قتلك الله مثلها في الآخرة، قال: أفتريد أن أعفو عنك قال: إن كان العفو فمن الله، وأما أنت فلا براءة لك ولا عذر، قال الحجاج: اذهبوا به فاقتلوه، فلما خرج ضحك، فأخبر الحجاج بذلك، فرده وقال: ما أضحكك قال: عجبت من جراءتك على الله وحلم الله عليك، فأمر بالنطع فبسط وقال: اقتلوه، فقال سعيد: وجعت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين، قال: وجهوا به لغير القبلة، قال سعيد: فأينما تولوا فثم وجه الله، قال: كبوه لوجهه، قال سعيد: منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى، قال الحجاج: اذبحوه، قال سعيد: أما إني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، خذها مني حتى تلقاني بها يوم القيامة، ثم دعا سعيد فقال: اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي.

<<  <  ج: ص:  >  >>