للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإخضاع له لقدر الحياة والموت والبعث، وذلك الشعور الحاد بمصير الزوال والعبث١.

٣- إن الفن هو وليد توق الإنسان الحرية، وشعوره بها شعورًا عميقًا، يفك عقال نفسه، فينبري للأشياء يهدمهما ويبنيها من جديد٢.

وهذه قضية تحتاج إلى وقفة طويلة لمناقشتها, ولسنا هنا قادرين على الإطالة، ولكننا نرى أن هذه التهمة ألصقت بالشعر الجاهلي، واتهمت الشاعر الجاهلي بالمادية والحسية المفرطة, ويكفي أن نذكر بعض الحقائق لندحض هذه التهمة:

أ- لم يحدد لنا هذا الباحث أو غيره ممن اتهموا الشاعر الجاهلي بالتقصير ما الذي قصدوه بالحسية والواقعية، أَلَا نجد في شعرنا الحديث، بالرغم من كل روافده الثقافية والفكرية، هذه الحسية والواقعية؟

ب- ماذا نقول في هذا السيل من الدراسات التي تذهب جميعها إلى الرمز الواضح في الشعر الجاهلي بخاصة والقديم بعامة؟

ج- وهذه المقابلة التي عدت قصورًا, أليست أداة من أدوات الشاعر في كل عصر من العصور، ألا نستطيع أن نذهب إلى أنَّ هذه المقابلة لم تكن لمجرَّد تقريب الأشياء والصور إلى السامع فحسب, بمقدار ما كانت العلاقة فكرية بين الصورتين, والأمثلة من الشعر الجاهلي وافرة, وبخاصة في المشهد الطللي وما تضمنه من شرائح صغيرة، وكذلك في مشاهد الموت.

وأخيرًا فإن هذه الصورة التي ظنَّها الباحث حسية كما ظنها غيره, هي في الحقيقية رموز تعكس هموم الشاعر الجاهلي وهموم مجتمعه, وتصديه لمشكلات كانت تؤرقهم؛ كمشكلة المصير والصراع الحضاري والإحساس بالعدمية، تلك المشكلات التي لا تستطع معتقداته أن تحلها وتهدئ من روعه.

٤- لقد قصر الشاعر العربي، غالبًا، عن إدراك حقيقة الشعر من هذا القبيل، فلبث يجول في حدود المادة أو حدود المعني منصرفًا إلى الغلو البصري القائم على الجزئية والحسية والواقعية التي يسبغها ويقرها المنطق: فالشعر العربي كان يتجه


١ إيليا حاوي ٣٢.
٢ نفسه ٣٥.

<<  <   >  >>