للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢- موضوعات قديمة متطورة:

تغنَّى الشعر كما تغنَّى الرجز بموضوعات بعضها قديم تداوله الشعر العربي على اختلاف عصوره كالحماسة والرثاء، وبعضها الآخر جديد، لم يعهده الشعر العربي قبل الفتوح. فشعر الجهاد وإن جال في تصوير ظروف الفتح الجديدة فإننا لا نستطيع أن نعده بابًا جديدًا من أبواب الشعر، وكذلك الرثاء؛ إذ إن لهما جذورًا في الشعر العربي ثابتة، وغاية الأمر أن هذه الظروف الجديدة قد كست هذين اللونين من الشعر صبغًا جديدًا فتطورًا قليلًا، وإن دلا على تأثرات جديدة؛ فإن أصلهما واضح جلي في الشعر العربي.

ونعني بشعر الجهاد ذلك الشعر الذي يهدف إلى الإشادة بما كان من إقدام الجند أو الكتيبة أو الشاعر، أو صديق له أو زميل، أو قائده أو عدوه. وعن كل هذه الطرق يعبر الشاعر عن قسوة المعارك، وضراوة القتال، وشدة اللقاء، وما كان يحدث في أثناء المعارك من إقدام أو إحجام، وما قد تنتهي إليه من نصر أو هزيمة، وما يكون بعد ذلك من فخر أو تصميم على الثأر والانتقام، بينما قد يكون تصوير المعارك وما تشتمل عليه طريقًا إلى الإشادة بالنفس أو بالغير، وهكذا.

وهذا الموضوع هو أكثر موضوعات الشعر التي بين أيدينا ترددًا واتساعًا، ومن أمثلة هذا الشعر الذي يشيد ببلاء الجماعة الإسلامية وبسالتها وإيقاعها بالعدو قول خليد بن المنذر في يوم طاوس:

بطاوس ناهبنا الملوك وخيلنا ... عشية شهراك علون الرواسيا

أطاحت جموع الفرس من رأس حالق ... تراه كموار السحاب مناغيا

فلا يبعدن الله قومًا تتابعوا ... فقد خضبوا يوم اللقاء العواليا١

وقد يجعل الشاعر تصوير المعركة سبيلًا إلى تصوير بلائه والإشادة بنفسه، كقول نعيم بن مقرن قائد المسلمين في وقعة واج روذ بهمذان، التي تصدى فيها "لموتا" قائد الفرس ونكل به تنكيلًا، قال:

ولما أتاني أن "موتا" ورهطه ... بني باسل جروا جنود الأعاجم

نهضت إليهم بالجنود مساميا ... لأمنع منهم ذمتي بالقواصم

فجئنا إليهم بالحديد كأننا ... جبال تراءى من فروع الغلاسم

فلما لقيناهم بها مستفيضة ... وقد جعلوا يسمون فعل المساهم

صدمناهم في واج روذ بجمعنا ... غداة رميناهم بإحدى العظائم

فما صبروا في حومة الموت ساعة ... لحد الرماح والسيوف الصوارم


١ ياقوت ج٢، ص٤٩٤.

<<  <   >  >>