للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفصل الرابع: الطوابع الفنية في شعر الفتوح]

١- الأثر الإسلامي في الصياغة:

نستطيع أن نتبين في وضوح بعدما عرضنا من شعر الفتح الإسلامي في الميادين المختلفة عدة طوابع فنية، تطبع هذا الشعر في مجموعه، وتوضح معالمه وقيمته التاريخية، وتضعه -من ثم- في موضعه من تاريخ الأدب العربي، وشعر الفتح يكشف في جلاء عن أثر الإسلام كعقيدة، وكفكرة في نفسية العربي. وفي حمله على أن يبذل وأن يضحي في سبيلها بكل ما يملك، من روحه وجهاده ونضاله، كما يظهر في شعر الجهاد وأرجاز الفرسان. ويصور شعر الفتوح بالتالي مدى التغيير الهائل الذي أحدثته الفكرة الإسلامية في الارتقاء بالنوازع الوجدانية والقبلية والفردية الضيقة الحدود إلى وجدان متوحد من أجل هدف واحد غاية في السمو، للتكتل في مواجهة الخطر الخارجي.

وهو يرسم بهذا صورة كاملة للانطلاقة الهائلة الواسعة، التي انتزعت العربي من حيزه الضيق الحدود لتطوف به في أرجاء ممتدة، لم يكن استشرفها في يوم من الأيام.

وتأسيسًا على هذا، فإن صورًا رائعة للفروسية العربية يمكن رسمها في ذلك الإطار الجديد الذي وضعه الإسلام لتقاليدها، وصورًا رائعة أخرى يمكن استشفافها للإيمان العميق، والتصديق المؤمن بما وعد به المؤمنون المجاهدون، ولما وضعه هذا الإيمان بتلك النفوس، ومن اكتشافها لذواتها، ومعرفتها بقدرها. ومن ثم راحت تدك بهذا الإيمان معاقل الأكاسرة والأباطرة، سادة الأمس القريب، وتلوي بأعنة ممالكهم إلى الإسلام.

وهذه الصورة الرائعة التي يصورها شعر الفتح للنضال الصادق من أجل الفكرة الإسلامية -تستمد ألوانها من المثل الإسلامية السامية، كالثقة المطلقة بما وعد الله، والاطمئنان إلى قضائه والتسليم به، كما يبدو في شعر الرثاء، وعلى الأخص فيما استحدثه المسلمون من رثاء للأشلاء واحتسابها.

<<  <   >  >>