للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣- فتوح الشام:

كان لموقع شبه الجزيرة العربية وعلاقات الجوار واللغة والقرابة والدم التي ربطت بين عرب الجزيرة والقبائل الضاربة في شمالها أكبر الأثر في اتجاه المسلمين في انطلاقهم إلى بطائح العراق، وإلى مشارف الشام بعد ذلك. وهذه العلاقات قديمة وبعيدة وموغلة في التاريخ، وترجع إلى ذلك اليوم الذي بسط فيه عرب الجنوب نفوذهم على التجارة على طول شواطئ البحر المتوسط الشرقية، وعن طريق سلسلة من المحطات التجارية المنتشرة من اليمن إلى الشام. وكانت سيطرة العرب على المتاجر سببًا في خلق علاقات وثيقة بين العرب والقوى السياسية المحيطة بهم وقتئذ. فبدأ تنافس خطير حول انتزاع هذه السيادة التجارية منهم، واستبقائها فيما بينهم وبين الروم فحسب، عندما بسط هؤلاء سلطانهم على البحر المتوسط بالاستيلاء على مصر.

وكانت محاولات الروم في هذا السبيل تصاب بالفشل حتى القرن الخامس الميلادي، ولم يجدوا فرصتهم إلا في عهد الإمبراطور جوستنيان "٥١٨- ٥٢٧م" عندما سيطرت فارس على الطرق التجارية البرية، مما دفعهم إلى التدخل في شئون عرب الجنوب، متذرعين بالصراع الديني، الذي نشب بين اليهودية والمسيحية في عهد ذي نواس، وأتيح لهم التدخل عن طريق أحلافهم الأحباش بعد مذبحة نجران١. ولكن العرب استطاعوا القضاء على النفوذ الحبشي الرومي في عهد سيف بن ذي يزن، الذي استعان بكسرى أنوشروان سنة ٥٧٥م في طردهم.


١ التيجان في ملوك حمير ص٢٠١.

<<  <   >  >>