للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الحكمة من وجود المتشابه في القرآن بوجه عام]

١- القرآن الكريم كتاب هداية ومنهج حياة، أنزله الله بمطالب البشر جميعًا، على اختلاف بيئاتهم وأزمانهم، ومطالب الحياة كثيرة، وحاجات الإنسان لا تحصى ولا تنحصر، فلا يكفيها تشريع تحتويه ملايين الصفحات.

فكان من حكمة الحكيم الخبير أن ينزل من القرآن نصوصًا تحتمل وجوهًا من البيان، كل وجه منها يمس جانبًا من جوانب الحياة، ويقضي مطلبًا من مطالب الإنسان، ويفتح له بابًا من أبواب التيسير، فيدفع عنه حرجًا، أو يجعل له مخرجًا مما يعاني منه، أو يحبسه عن تحقيق أهدافه المشروعة، حتى يبدو وكأن النص الواحد جمع في طيَّاته نصوصًا كثيرة، تأمر وتنهى، وتوصي وترشد, فأغنى ذلك عن كتاب عظيم لا تستقصى صفحاته، ولا تنقضي كلماته، وتشريعاته.

وقد أدَّى هذا التشابه إلى خلافٍ محمود العواقب بين العلماء الأفاضل، وجدَ الناس فيه رحمة من الله وسعة؛ لأنه خلاف لم ينشأ بسبب تناقض في النصوص القرآنية أو اختلافًا بين أحكامها، كلَّا، كلَّا.

{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} .

ولكنه خلاف مبنيٌّ على قرائن شرعية وعقلية استنبطوها من الكِتَاب نفسه، ومن السُّنَّة المطهرة, تجعل كل إمام يرجِّحُ وجهًا على آخر.

والاجتهاد واجب على علماء الأمة بشروط مبسوطة في كتب أصول الفقه، لم يخرجوا بحمد الله عنها، فكان لمن أصاب منهم أجران، ولمن أخطأ أجر واحد.

وقد وجد الناس كما قلت في هذا الخلاف تيسيرًا وتَوْسِعَةً أرادها لهم ربهم -عز وجل.

قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} ٢.

هذه حكمة سامية لوجود المتشابه في القرآن الكريم وفي السُّنَّة المطهَّرة.

٢- وفي وجود المتشابه تدريب للعقول على التأمُّل والنظر، وفي هذا التدريب لذة لا يعرفها إلا أولو الألباب، فكلما أدرك العالم بعقله وجهًا من وجوه الترجيح وفق ما لديه من القرآن شعر بنشوة غامرة، ورغبة ملحِّة في مواصلة البحث والاستنباط.


١ النساء: ٨٢.
٢ البقرة: ١٨٥.

<<  <   >  >>