للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[وجوه الإعجاز]

[الوجه الأول: لغته وأسلوبه]

...

[وجوه الإعجاز]

لا يسع أيُّ باحث في كتاب الله تعالى أن يحيط بوجوه إعجازه كلها، ولا بأكثرها، ولا يسعى أحدهم إلى ذلك، لعلمه أنه لا يحيط بكلام الله إلّا الله, ولكن ما لا يدرك كله لا يُتْرَك جله.

من هنا نقَّب الباحثون كلٌّ على قدر طاقته وعلمه على هذه الوجوه في بيانه وتشريعه وعلومه ومعارفه, فحصَّلُوا من هذه الوجوه قدرًا كافيًا.

وذكر كل مجتهد ما رآه أولى بالذكر من غيره.

وسنحاول تلخيص أهم هذه الوجوه، ونبيِّن ما نراه راجحًا على غيره, مستأنسين في ذلك بأقوال من سبقنا، بعد شيء من التدبر والتأمل في الوجوه مجتمعة.

[الوجه الأول: لغته وأسلوبه]

فقد بهر بلغته السهلة الجزلة، الخالية تمامًا من التنافر والتعقيد أساطين البلاغة والبيان، وملك بأسلوبه في تأدية المعاني عقول الحكماء ودعاة الخير والإصلاح، فأيقنوا بأنه وحي منزَّل يستحيل أن يتقوَّلَه أحد، لما رأوه فيه من جمال التعبير ودقة التصوير وروعة البيان.

فقد اشتمل على خصائص لغوية في تأدية المعاني لم تتوفَّر لكلام سواه، واتصف مَنْطِقُه بسمات بلاغية كأنَّ العرب لم يقعوا عليها في غير هذا القرآن، مع أنه نزل بلغتهم، وهذا منتهى التحدي، وقمة الإعجاز.

"وها قد مرَّت على اللغة العربية من عهد نزول القرآن إلى عصرنا هذا أدوار مختلفة، بين علوٍّ ونزول واتساع وانقباض، وحركة وجمود، وحضارة بداوة، والقرآن في كل هذه الأدوار واقف في عليائه، يطل على الجميع من سمائه، وهو يشعُّ نورًا وهداية، ويفيض عذوبة وجلالة، ويسيل رقة وجزالة، ويرف جدة وطلاوة، ولا يزال كما كان غضًّا طريًّا يحمل راية الإعجاز، ويتحدى أمم العالم في يقين وثقة، قائلًا في صراحة الحق وقوته, وسلطان الإعجاز وصولته:

{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} ١، ٢.


١ الإسراء: ٨٨.
٢ مناهل العرفان ج٢ ص٢٢٩.

<<  <   >  >>