للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحسم مادة الخلاف عنه التعارض في أقوال الفقهاء، أو ترجيح بعضها على بعض، فإن الفقيه يلجأ في تصويب رأيه إلى وجوه القراءات؛ لعلمه أن القرآن يفسِّر بعضه بعضًا.

فمثلًا: قراءة "يطَّهّرن" بتشديد الطاء والهاء في قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} ١.

فقد ذهب المالكية والشافعية والحنابلة، ومن نحا نحوهم إلى عدم جواز وطء المرأة حتى تغتسل اعتمادًا على قراءة "يطَّهَّرن" بالتشديد، أي: حتى يقمن بتطهير أنفسهن من الحيض بالاغتسال.

ومثل ترجيح غسل الرجلين على مسحهما، بقراءة نصب "أرجلكم" عطفًا على قوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} .

ومن رجَّح مسح الرجلين على الغسل اعتمد على قراءة "أرجلكم" بالجر.

وهكذا ترى الفقهاء يعتمدون على وجوه القراءات في تصويب قراءاتهم، وتصحيح أقوالهم، وترجيح بعضها على بعض.

"ولم تزل العلماء تستنبط من كل حرف يقرأ به قارئ معنًى لا يوجد في قراءة الآخر.

فالقراءات حجة الفقهاء في الاستنباط، ومحجَّتهم في الاهتداء إلى سواء الصراط"٢.

فتنوع القراءات بمثابة تعدد الآيات، وسعت مدارك العلماء، وفتحت لهم مجالًا رحبًا للتأمُّل والنظر، وفي ذلك من الإعجاز التشريعي والبياني ما لا يخفى.

٣- وفي تعدُّد القراءات تعظيم لأجر الأمَّة في حفظها, والعناية بجمعها، ونقلها بأمانة إلى غيرهم، ونقلها بضبطها مع كمال العناية بهذا الضبط إلى الحدِّ الذي حاز الإعجاب.


١ البقرة: ٢٢٢.
٢ مقدمة تحقيق "إبراز المعاني" ص١٢.

<<  <   >  >>