للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ذلك لأن فرص العمل في شئون حياتنا تكاد دائما أن تنقضي قبل أن يتيسر لنا أن نتخلص من جميع شكوكنا، فإذا صادفنا منها آراء كثيرة كهذه في موضوع واحد، ولم نكن نستطيع ترجيح بعضها على البعض الآخر، وكان العمل لا يحتمل أي تأخير، فإن العقل يقضي بأن نختار منا رأيا، وبعد اختياره أن نثابر على اتباعه كما لو كنا قد حكمنا عليه بأنه يقيني جدا١.

٤- "لِمَ يمكن الشك في حقيقة الأشياء الحسية؟ ":

لكن لما كان غرضنا الآن مقصورًا على الانصراف إلى البحث عن الحقيقة، فبوسعنا أن نشك أولا بصدد الأشياء التي وقعت تحت حواسنا, أو التي تخيلناها إطلاقا فنتساءل: هل منها ما هو موجود حقا في العالم؟ وذلك لأن التجربة قد دلتنا على أن حواسنا قد خدعتنا في مواطن كثيرة، وأنه يكون من قلة التبصر أن نطمئن كل الاطمئنان على من خدعونا ولو مرة واحدة، وكذلك لأننا نكاد نحلم دائما ونحن نائمون.

ويبدو لنا حينذاك أننا نحس بشدة, ونتخيل بوضوح عددا لا يحصى من الأشياء التي ليس لها وجود في الخارج، ومتى صمم الإنسان على أن يشك في كل شيء لم يعد يجد علامة للتمييز بين الخواطر التي ترد علينا في حال النوم, وتلك التي ترد علينا في حال اليقظة٢.

٥- "لِمَ يمكن الشك أيضا في براهين الرياضة؟ ":

وبوسعنا أن نشك أيضا في جميع الأشياء التي بدت لنا من قبل يقينية جدا. بل نشك في براهين الرياضة وفي مبادئها وإن تكن في ذاتها جلية جلاء كافيا.


١ لقد أبعد ديكارت الشك عن مجال الحياة العملية، وقصره على مسائل النظر "انظر: "المقال" القسم الثالث، القاعدة الثانية".
٢ انظر ما يقوله ديكارت عن الأحلام في التأمل السادس، إذ بين المحك العملي للتمييز بين مدركات اليقظة, ومدركات النوم ""التأملات"، ترجمتنا العربية ص١٩٤".

<<  <   >  >>