للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والفلسفة عند فيلسوفنا نظر وعمل، لكن النظر هو بمثابة الأساس الذي يقوم عليه العمل. ولقد بين ديكارت نفسه ماهية الفلسفة وموضوعها في مقدمة كتاب المبادئ, قال: "لفظ الفلسفة هذا معناه: دراسة الحكمة وليس معنى الحكمة قاصرا على الحيطة والتبصر في الأمور، بل تفيد أيضا معرفة كاملة لجميع الأشياء التي يستطيع الإنسان معرفتها إما لهداية حياته, أو للمحافظة على صحته, أو لاختراع جميع الفنون"١.

وإذن, فليست غاية العلم عند ديكارت مقتصرة على المعركة, بل إن من غاياته أن يكفل للإنسان الراحة والهناء. ولعل فكر ديكارت في هذا الموضوع أقل سموا من فكر أرسطو الذي جعل من براءة النظرة وخلوها من المنفعة طابع الفلسفة. على أننا ينبغي ألا نسرع في الحكم على ديكارت فهو نفسه يضيف إلى ما تقدم قوله: "ينبغي على البشر الذين جزؤهم الرئيسي هو الذهن أن يوجهوا أكبر قسط من عنايتهم إلى طلب الحكمة التي هي غذاؤه الصحيح ... وليس من النفوس نفس مهما بلغت من قلة النبل تظل متعلقة بأمور الحواس تعلقا كبيرا يحول دون انصرافها عنها أحيانا، مؤملة خيرا آخر أكبر، وإن كانت تجهل في الأغلب ماهية ذلك الخير ... وهذا الخير الأسمى إذا اعتبر بالنور الطبيعي دون نور الإيمان، لم يكن شيئا آخر غير معرفة الحقيقة بواسطة علتها الأولى، أعني: الحكمة"٢.

وكيف الوصول إلى تلك المعرفة ذات القيمة الكبرى؟

يرى عامة الناس، بل أغلب الفلاسفة، أن المعرفة على أربعة ضروب:

"الضرب الأول لا يحوي إلا معاني بلغت من الوضوح بذاتها أن كان تحصيلها ممكننا من غير تأمل" أو لعل ديكارت قد خطر بباله هنا المعاني


١ ديكارت: "مبادئ الفلسفة", المقدمة "طبع ليار ص٧".
٢ مبادئ الفلسفة, المقدمة "طبع ليار ص٩".

<<  <   >  >>