للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بأن المعرفة العلمية ذاتها تحتاج إلى أساس فلسفي. فالفلسفة وليس العلم هي التي تتناول الفروض العلمية بالبحث والتدليل.

حتى على افتراض أن العلم الوضعي قد تمكن من حل مشكلة ما، فإن العقل الإنساني سيظل يتطلب علما بالكل وبالمطلق, علما بالمبادئ والأسباب. إن المعرفة العلمية لا تكفي وحدها لحل المشاكل التي تواجه الإنسان, بل إن العلم نفسه ليس إلا حقيقة من الحقائق التي تعالجها الفلسفة. وهذه الأخيرة وليس العلم هي التي تبحث في طبيعة الأشياء ومبدئها ومصيرها.

كذلك رفض أنصار الفلسفة التقليدية المنهج الذي اتبعته الوضعية المنطقية وأسمته مبدأ التحقق. فقد أشرنا في مستهل استعراضنا للوضعية المعاصرة أنها استبعدت الميتافيزيقا والعلوم المعيارية من مجال البحث العلمي, استنادا إلى مبدأ التحقق الذي يقول بأن القضية التي يمكن التحقق منها بالرجوع إلى الواقع هي وحدها ذات معنى.

وقد علق الفيلسوف الإنجليزي آير على كلمة معنى بأن لها استعمالا صحيحا واحدا هو المعنى الذي يمكن التأكد من صوابه أو خطئه في حدود الخبرة الحسية, وهو ما انتقده أنصار الفلسفة التقليدية على أساس أن مبدأ التحقق هذا هو من قبيل تحصيل حاصل, إذ يجوز أن تكون العبارة ذات معنى يتعذر التحقق من صوابه بالخبرة الحسية.

قد تكون العبارة ذات معنى في استعمال آخر, لا يقصد به المعنى الذي يمكن التثبت منه بالخبرة الحسية وحدها، أي: هناك إمكانية لوجود استعمالات صحيحة أخرى للفظ معنى, إلا أنه نتيجة للموقف الجامد لتلك المدرسة لا يمكن هنا تجنب حدوث تناقض, إذ تصر الوضعية المنطقية على أن العبارات التي تحمل معنى في غير الاستعمال الحسي لا يمكن أن تكون صادقة, ولا كاذبة.

يمكن ملاحظة هذا التناقض من افتراض حالة يكون فيها مبدأ آير ذا معنى في استعمال من الاستعمالات التي لا يقرها. فإذا طبقت وجهة نظره

<<  <   >  >>